عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب فضل الزرع والغرس إذا أكل منه
  
              

          ░1▒ (ص) بابُ فضلِ الزَّرع وَالغرس إذا أُكِلَ منه.
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيان فضلِ الزراعة وغرسِ الأشجار إذا أُكِل منه؛ أي: مِن كلِّ واحدٍ مِنَ الزرع والغرس، وهذا القيد لا بدَّ منه لحصول الأجر، وهذه الترجمة كذا هي في رواية النَّسَفِيِّ والكُشْميهَنيِّ بعد قوله: (كتاب المزارعة) إلَّا أنَّهما أخَّرا البسملة عَن (كتاب المزارعة)، وفي بعض النُّسَخ: <باب ما جاء في الحرث والمزارعة، وفضل الزرع>، ولم يذكر فيه (كتاب المزارعة)، قيل: هو للأصيليِّ وكريمة.
          (ص) وقَوْلِهِ تعالَى: {أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ. أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ. لَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا}[الواقعة:63-65].
          (ش) (وقَوْلِهِ) بالجرِّ عطفٌ على قوله: فضل الزرع، وذكر هذه الآية لاشتمالها على الحرث والزرع، وأيضًا تدل على إباحة الزرع مِن جهة الامتنان به، وفيها وفي الآيات التي قبلها ردٌّ وتبكيتٌ على المشركين الذين قالوا: نحن موجودون مِن نطفة حدثت بحرارة كامِنة، وأنكروا البعث والنشور بأمور ذُكرت فيها، مِن جملتها قوله: ({أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ}) أي: تثيرون في الأرض، وتعملون فيها، وتطرحون البذار، ({أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ}) أي: تنبتونه وتردُّونه نباتًا ينمي إلى أن يبلغَ الغاية.
          قوله: ({لَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا}) أي: هشيمًا لا يُنتَفع به، ولا تقدرون على منعه، وقيل: نبتًا لا قمح فيه، {فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ} أي: تفجعون، وقيل: تحزنون، وهو مِنَ الأضداد، تقول العرب: تفكَّهت؛ إذا تنعَّمت، وتفكَّهت؛ أي: حزنت، وقيل: التفكُّه: التكلُّم فيما لا يعنيك، ومنه قيل للمُزاح: فُكاهة، وأخذوا مِن قوله: {أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ}؟ ألَّا يقول أحدٌ: زرعتُ، ولكن يقول: حرثت، وفي «تفسير النَّسَفِيِّ» عَن رسول الله صلعم : «لا يقولنَّ أحدكم: زرعتُ، وليقل: حرثت»، قال أبو هُرَيْرَة: ألم تسمعوا قول الله تعالى: {أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ}.
          قُلْت: هذا الحديثُ أخرجه ابن أبي حاتِم مِن حديث أبي هُرَيْرَة مرفوعًا، وفي «تفسير عَبد ابن حميد»: عن أبي عبد الرَّحْمَن _يعني: السلميِّ_ أنَّهُ كره أن يقال: زرعتُ، ويقول: حرثتُ.