عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب ما كان يبعث النبي من الأمراء والرسل واحدًا بعد واحد
  
              

          ░4▒ (ص) بَابُ مَا كَانَ النَّبِيُّ صلعم يَبْعَثُ مِنَ الأُمَرَاءِ وَالرُّسُلِ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ.
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيان / ما كان النَّبِيُّ صلعم يَبْعَثُ، وفي بعض النُّسَخ: <باب ما كان يبعث النَّبِيُّ صلعم >.
          أَمَّا (الأُمَرَاء) فَإِنَّهُ صلعم كان أمَّر على مكَّة عَتَّاب بن أُسَيد، وعلى الطائف عثمان بن أبي العاص، وعلى البحرين العلاء ابن الحضرميِّ، وعلى عُمَان عَمْرو بن العاص، وعلى نجران أبا سفيان بن حَرْبٍ، وعلى صنعاء وسائر بلاد اليمن بَاذَان ثُمَّ ابنه شهر، وفيروز والمهاجر بن أبي أميَّة وأبان بن سعيد بن العاص، وأمَّر على السواحل أبا موسى الأشعريَّ، وعلى الجند وما معها معاذ بن جبلٍ، وكان كلٌّ منهما يقضي في عمله ويسير فيه، وكانا ربَّما التقيا، وأمَّر يزيد بن أبي سفيان على تيماء، وثُمَامة بن أُثَال على اليمامة، وسنذكر قضيَّة باذان عن قريبٍ.
          وأَمَّا (الرُّسُل) فَإِنَّهُ صلعم بعث ستَّة نفر مصطحبين في سنة ستٍّ مِنَ الهجرة رسلًا منه إلى مَن يُذكَر، وهم:
          حاطب بن أبي بَلتَعة أرسله إلى المُقَوْقَس صاحب الإسكندريَّة، واسمه جُرَيْج بن مينا، فمضى بكتاب رسول الله صلعم إليه، فقبَّل الكتاب وأكرم حاطبًا، وأحسن نزله وسرَّحه إلى النَّبِيِّ صلعم ، وأهدى له مع حاطبٍ كسوةً وبغلةً بسَرجِها وجاريتين؛ إحداهما مارية أمِّ إبراهيم ◙ ، والأخرى وهبها صلعم لمُحَمَّد بن قيسٍ العبديِّ.
          وشجاع بن وهبٍ أرسله إلى الحارث بن أبي شمرٍ الغسَّانيِّ ملك البلقاء مِن أرض الشام، وقيل: توجَّه لجبلة، وقيل: لهما معًا، وقال ابن إسحاق: ثُمَّ بعث رسول الله صلعم شجاع بن وهبٍ إلى المنذر بن الحارث بن أبي شمرٍ الغسَّانيِّ صاحب دمشق، قال شجاعٌ: فانتهيت إليه وهو بغوطة دمشق، فقرأ كتابَ رسول الله صلعم ورمى به، وقال: ها أنا أسير إليه، وعزم على ذلك فمنعه قيصر، ولمَّا بلغ رسولَ الله صلعم ذلك قال: «بادَ ملكُه».
          ودحية بن خليفة أرسله إلى قيصر ملك الروم، فأكرمه قيصَر، ووضع كتاب رسول الله صلعم على فخده، وسأله عن النَّبِيِّ صلعم ، وثبت عنده صحَّة نبوَّته، فهمَّ بالإسلام فلم توافقه الرومُ، فخافهم على مُلْكِه، فأمسك وردَّ دِحْية ردًّا جميلًا.
          وسليط بن عَمْرٍو العامريُّ أرسله إلى هوذة بن عليٍّ ملك اليمامة، فأكرمه وأنزله، وردَّ الجواب بقوله: إن جعلْتَ لي بعضَ الأمر سرتُ إليك وأسلمتُ ونصرتك، وإلَّا قصدتُ حربك، فقال صلعم : «لا، ولا كرامة، اللهمَّ اكفنيه» فمات.
          وعمرو بن أميَّة الضمريُّ أرسله إلى النجاشيِّ ملك الحبشة واسمه أَصْحَمة، فأخذ كتاب رسول الله صلعم ووضعه على عينيه، ونزل عن سريره وجلس على الأرض وأسلم على يد جعفر بن أبي طالبٍ، ولمَّا مات صلَّى عليه النَّبِيُّ صلعم
          وعبد الله بن حذافة أرسله إلى كسرى بَرْويز بن هرمز، فمزَّق كتابه وقال: يكاتبني وهو عبدي؟ ولمَّا بلغ النَّبِيَّ صلعم ذلك قال: «مزَّق اللهُ ملكَه» ثُمَّ كتب كسرى إلى باذان وهو نائبه على اليمن: أنِ ابعثْ إلى هذا الرجل بالحجاز رجلين مِن عندك جلدين فليأتياني به، فبعث باذان قهرمانه وكان كاتبًا حاسبًا بكتاب فارسٍ، وبعث معه رجلًا مِنَ الفُرس يقال له: خرخرة، وكتب معهما إلى رسول الله صلعم [يأمره أن ينصرف معهما إلى كسرى، فخرجا حَتَّى قدما على رسول الله صلعم ]، ودخلا على رسول الله صلعم وقد حلقا لحاهما، وأعفيا شواربهما، فكره النظر إليهما وقال لهما: «ارجعا حَتَّى تأتياني غدًا» وأتى الخبرُ مِنَ السماء رسولَ الله صلعم بأنَّ الله ╡ قد سلَّط على كسرى ابنَه شيرويه [فقتله في شهر كذا وكذا في ليلة كذا وكذا مِنَ اللَّيل، فدعاهما النَّبِيُّ صلعم فأخبرهما، وأعطى خرخرة / مِنطقةً فيها ذهبٌ وفضَّةٌ كان أهداها له بعضُ الملوك، فخرجا مِن عنده حَتَّى قدما على باذان وأخبراه الخبر، فقال: والله ما هذا بكلام مَلِك، وإنِّي لأرى الرجلَ نبيًّا كما يقول، وليكوننَّ ما قد قال، فلم ينشب باذان أن قدم عليه كتاب شيرويه] فيه: أنَّهُ قُتِل كسرى في تاريخ كذا وكذا، فلمَّا وقف عليه قال: إنَّ هذا الرجل لرسولٌ، فأسلم وأسلمت الأبناء مِن فارس، وقرَّره النَّبِيُّ صلعم في موضعه، وهو أَوَّل نائبٍ مِن نوَّابه صلعم .
          ويقال: إنَّهُ صلعم أرسل العلاء بن الحضرميِّ إلى المنذر بن ساوى العَبْدِيِّ ملِكِ البحرين مِن قِبَل الفرس، فأسلم وأسلم جميعُ العرب بالبحرين.
          وأرسل الحارث بن عُمَيْرٍ إلى ملِكِ بُصرى، فلمَّا نزل أرض مؤتة عرَض له عَمْرو بن شُرَحْبِيل الغسَّانيُّ فقتله، ولم يُقتَل لرسول الله صلعم رسولٌ غيره.
          وأرسل جَرير بن عبد الله البَجَليَّ إلى ذي الكلاع وذي عَمْرٍو، فأسلما، وتُوفِّي رسول الله صلعم وجريرٌ عندهما.
          وأرسل السائب بن العوَّام أخو الزُّبَير إلى فروة [بن] عَمْرو الجذاميِّ وكان عاملًا لقيصر بِمَعانَ، فأسلم وكتب إلى النَّبِيِّ صلعم وبعث إليه هديَّةً مع مسعود بن سعدٍ، وهي بغلةٌ شهباء يقال لها: فضَّة، وفرسٌ يقال لها: الظِّرب، وقباءُ سندس مخوَّصٌ بالذهب، فقَبِل صلعم هديَّته، وأجاز مسعودًا اثنتَي عشرةَ أوقيَّةً.
          وأرسل عَيَّاش بن أبي ربيعة المَخْزُومِيَّ إلى الحارث وفرُّوخ ونُعَيم بني عبد كلالٍ مِن حِمْيَر، والله أعلم.
          (ص) وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بَعَثَ النَّبِيُّ صلعم دِحْيَةَ الْكَلْبِيَّ بِكِتَابِهِ إِلَى عَظِيمِ بُصْرَى أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَى قَيْصَرَ.
          (ش) هذا قطعةٌ مِن الحديث الطويل المذكور في (بدء الوحي) وهذا التعليق لم يثبت إلَّا في رواية الكُشْميهَنيِّ وحده.