عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

حديث: إذا أنفق المسلم نفقة على أهله وهو يحتسبها كانت له صدقة
  
              

          5351- (ص) حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ يَزِيدَ الأَنْصَارِيَّ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ فَقُلْتُ: عَنِ النَّبِيِّ؟ فَقَالَ: عَنِ النَّبِيِّ صلعم قَالَ: «إِذَا أَنْفَقَ الْمُسْلِمُ نَفَقَةً عَلَى أَهْلِهِ وَهْوَ يَحْتَسِبُهَا، كَانَتْ لَهُ صَدَقَةً».
          (ش) مُطَابَقَتُهُ للتَّرجَمَةِ ظَاهِرَةٌ.
          و(أَبُو مَسْعُودٍ) عُقْبَة بن عَمْرٍو (الأَنْصَارِيُّ) البدريُّ، والحديث مضى في (الإيمان) في (باب ما جاء أنَّ الأعمال بالنيَّة).
          قوله: (فَقُلْت: عَنِ النَّبِيِّ؟) أي: أترويه عن النَّبِيِّ صلعم أو تقوله عن الاجتهاد؟ قال بعضهم: القائل: «فقُلْت» هو شعبة، بيَّنه الإسماعيليُّ في روايةٍ له.
          قُلْت: لم يبيِّن هذا القائلُ كيف بيَّنه الإسماعيليُّ، فلِمَ لا يجوز أن يكون القائل عبد الله بن يزيد؟ بل الظاهر يُشْعِر أنَّهُ هو، ويحتمل أن يكون عَدِيَّ بن ثابتٍ على ما لا يخفى.
          قوله: (عَلَى أَهْلِهِ) قال صاحب «المغرب»: أهل الرجل: امرأته وولده والذي في عياله ونفقتِه، وكذا كلُّ أخٍ أو أختٍ أو عمٍّ أو ابن عمٍّ أو صبيٍّ أجنبيٍّ يقوته في منزله، وعن الأزهريِّ: أهل الرجل: أخصُّ الناس به، ويُجمَع على (أهلين)، و(الأهالي) على غير قياسٍ، ويقال: الأهل: يحتمل أن يشمل الزوجة والأقارب، ويحتمل أن يختصَّ بالزوجة ويلحق به مَن عداه بطريق الأَولى؛ لأنَّ الثواب إذا ثبت فيما هو واجبٌ فثبوته فيما ليس بواجبٍ أولى.
          فَإِنْ قُلْتَ: كيف يكون إطعام الرجل أهلَه صدقةً وهو فرضٌ عليه؟
          قُلْت: جعل اللهُ الصدقةَ فرضًا وتطوُّعًا ويُجزَى العبدُ على ذلك بحسب قصده، ولا منافاة بين كونها واجبةً وبين تسميتها صدقةً، وقيل: إِنَّما أطلق الشارع (صدقةً) على النفقة الفرض لئلَّا يظنُّوا أن قيامهم بالواجب لا أجرَ لهم، وقال المُهَلَّب: النفقة على الأهل والعيال واجبةٌ بالإجماع، وقال الطَّبَريُّ: النفقة على الأولاد ما داموا صغارًا فرضٌ عليه؛ لقوله صلعم : «وابدأ بمَن تَعُول»؛ لأنَّ الولد ما دام صغيرًا فهو عيالٌ، وقال ابن المنذر: واختلفوا فيمَن بلغ مِنَ الأبناء ولا مال له ولا كسب، فقالت طائفةٌ: على الأب أن ينفق على ولد صلبه الذكور حَتَّى يحتلِموا، والبنات حَتَّى يُزوَّجنَ، فإن طلَّقها قبل البناء فهي على نفقتها، وإن طلَّقها بعد البناء أو مات عنها فلا نفقة لها على أبيها، ولا نفقة لولد الولد على الجدِّ، هذا قول مالكٍ، وعندنا: نفقة الإخوة والأخوات والأعمام والعمَّات والأخوال والخالات واجبةٌ بشرط العجز مع قيام / الحاجة، وأَمَّا نفقة بني الأعمام وأولاد العمَّات فلا تجب عند عامَّة العلماء، خلافًا لابن أبي ليلى.
          قوله: (وَهُوَ يَحْتَسِبُهَا) أي: يعملها حسبةً لله تعالى، وقال النوويُّ: «احتسبها» أي: أراد بها اللهَ، وطريقه أنَّه يتذكَّر أنَّهُ يجب عليه الإنفاق، فينفق بنيَّة أداء ما أُمِرَ به.