الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب: وكالة الشاهد والغائب جائزة

          ░5▒ (بابٌ) بالتنوين (وَكَالَةُ الشَّاهِدِ) أي: الحاضرِ في البلدِ، أو في مجلسِ العقدِ (وَالْغَائِبِ جَائِزَةٌ) أي: صحيحةٌ، خبرُ: ((وكالةُ))، والواوُ بمعنى: أو، أو للتنويعِ. عقدَ المصنِّفُ هذه التَّرجمةَ للردِّ على مَن منَعَ أن يوكلَ الحاضِرُ في البلدِ غيره.
          قال ابنُ بطَّالٍ: أخذَ الجمهورُ بجوازِ توكيلِ الحاضرِ بالبلدِ غيره بغيرِ عُذرٍ، ومنعَه أبو حنيفةَ إلا لعُذرٍ من مرضٍ أو سفرٍ، أو لرضى الخصمِ، قال: والحديثُ خلافُ قولِه؛ لأنَّ النَّبيَّ أمَرَ أصحابَه أن يقضُوا عنه السنَّ التي كانت عليه، انتهى.
          وقال في ((التوضيح)): والحديثُ حجَّةٌ على أبي حنيفةَ، انتهى.
          واعترضه في ((العمدة)) فقال: ليس الحديثُ بحجَّةٍ عليه؛ لأنَّه لا ينفي الجوازَ، ولكن يقول: لا يُلزمُ؛ يعني: لا يُسقِطُ حقَّ الخصمِ في طلبِ الحضورِ والدَّعوى والجوابِ بنفسِه، وهو قولُ ابن أبي ليلى في الأصحِّ، انتهى فليُتأمَّل.
          نعم؛ استثنى مالكٌ مَن بينَه وبين الخصمِ عداوةٌ، وبالغَ الطَّحاويُّ في الانتصارِ للجمهورِ، واعتمد في الجوازِ حديثَ الباب، قال: واتَّفقَ الصحابةُ على جوازِ توكيلِ الحاضرِ لغيره بغيرِ شرطٍ، قال: / ووكالةُ الغائبِ مفتقِرةٌ إلى قَبولِ الوكيلِ الوكالةَ.
          (وَكَتَبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو) أي: ابنِ العاصي الأمَويُّ، كما في ((الفتح)) و((العمدة))، وقال الكِرمانيُّ: هو: عبدُ الله بنُ عمرَ بنِ الخطابِ، ونسَخُ المتنِ فيه مختلفةٌ (إِلَى قَهْرَمَانِهِ) بفتح القاف والراء بينهما هاء ساكنة؛ أي: خازِنِه؛ وهو: القائمُ بحوائجِ غيره، ولم يُعلَمِ اسمُ هذا القَهْرَمانِ، ولفظُه فارسيٌّ كما في ((الفتح)).
          وجملة: (وَهُوَ غَائِبٌ عَنْهُ) حالٌ، وقال ابنُ بطَّالٍ: إذا كانت الوكالةُ مفتقرةً إلى قَبولِ الوكيلِ، فحُكمُ الغائبِ والحاضرِ فيها سواءٌ.
          فإنْ قلتَ: فأين القبولُ في حديثِ أبي هريرة؟ قلتُ: عملُهم بأمرِ النبيِّ عليه السَّلامُ من تَوفيةِ صاحبِ الحقِّ حقَّه قبولٌ منهم لأمرِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، انتهى فليُتأمَّل.
          أي: والحالُ أنَّ الوكيلَ غائبٌ عن عبدِ الله.
          (أَنْ يُزَكِّيَ) بتشديد الكاف المكسورة؛ أي: زكاةَ الفِطرِ (عَنْ أَهْلِهِ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ).
          قيل: مُطابقة الأثر للتَّرجمةِ ظاهرةٌ بالنسبةِ للجزءِ الثاني منها، فإنَّ فيه توكيلَ الحاضرِ للغائبِ أن يُزكِّيَ عن أهلِه، انتهى.
          وفيه أنَّ ضميرَ ((أهلِه)) يحتملُ أن يعودَ إلى القَهْرَمانِ، فلا يدُلُّ على ما قاله، فإن عادَ إلى عبدِ الله ظهرَ الاستدلالُ به.