غاية المرام في رجال البخاري إلى سيد الأنام

المغيرة بن شعبة

          1324 # المُغِيْرَة بن شُعبة _بضمِّ الميم، وحكى الكرمانيُّ(1) كسرها أيضاً_ [بن أبي عامر](2) بن مسعود الثَّقَفيُّ _بفتحتين: المثلَّثة والقاف، وكسر الفاء_ الصَّحابيُّ، الكوفيُّ، أبو عبد الله، وأبو عيسى.
          روى عنه: قيس بن أبي حازم، ومسروق، وزياد بن عِلاَقة، وعليُّ بن الرَّبيع، وعروة بن الزُّبير، وابنه عروة (بن) المغيرة، وكاتبه وَرَّاد.
          نقل عنه البخاريُّ بالواسطة في مواضع، أوَّلها: في كتاب الوضوء [خ¦182] ، لكن وقع ذكره في الصَّحيح، في آخر كتاب الإيمان، في باب الدِّين النَّصيحة لله [خ¦58] .
          أسلم عام الخندق، وروى عن رسول الله صلعم مئة حديث وستَّة وثلاثين حديثاً. روى منها البخاريُّ في صحيحه _كما قاله الكرمانيُّ_ عشرة أحاديث، وولَّاه عمر البصرة، وهو أوَّل من وضع ديوان البصرة، ولم يزل عليها حتَّى شهد عليه بالزِّنا فعزله، ثمَّ ولَّاه الكوفة، ولم يزل عليها حتَّى استشهد عمر، فأقرَّه عثمان عليها، ثمَّ عزله، وشهد اليمامة، وفتوح الشَّام، وذهبت عينه باليرموك، وشهد القادسيَّة، وفتح نهاوند، وكان على ميسرة النُّعمان بن مقرِّن، وشهد فتح هَمَذان وغيرها، واعتزل الفتنة بعد قتل عثمان، وشهد الحكمين بين عليٍّ ومعاوية، ولمَّا سلَّم الحسن الأمر إلى معاوية استعمل عبد الله بن عمرو بن العاص على الكوفة، فقال المغيرة لمعاوية: تجعل عَمْراً على مصر والمغرب، وابنه على الكوفة، فتكون بين فكَّي الأسد. فعزل معاوية عبد الله عن الكوفة، واستعمل عليها المغيرة، فلم يزل عليها إلى أن توفِّي(3) ، وأمُّه أُمامة بنت الأَفْقم(4) ، وشهد الحديبية، وله في الصُّلح كلام مع عروة بن مسعود، وذلك أنَّ عروة لمَّا أتى رسولَ الله صلعم من جهة قريش، جعل يحدِّث النَّبيَّ صلعم، ويمدُّ يده إلى لحيته على عادة العرب، وكان المغيرة لابس اللأمة، واقفاً على رأس رسول الله صلعم، فضرب بقَميعة(5) السَّيف يد عروة، وقال: نحِّ يدك عن رسول الله صلعم. فقال عروة: من هذا؟ قيل: المغيرة بن شعبة. فقال: يا غُدَر! / ألست الآن أسعى في غدرتك؟ وكان المغيرة قتل سبعة، والتحق بالمسلمين، وكان يذكر أنَّ رسول الله صلعم كنَّاه أبا عيسى، وكنَّاه عمر بن الخطَّاب أبا عبد الله.
          وكان موصوفاً بالدَّهاء، قال الشَّعبيُّ: دهاة العرب أربعة: معاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، وزياد بن أبيه؛ أمَّا معاوية فللأناة والحلم، وأمَّا عمرو بن العاص فللمعضلات، وأمَّا المغيرة فللمبادهة، وأمَّا زياد فللصغير والكبير، وكذلك كان قيس بن سعد بن عبادة من الدُّهاة المشهورين، وكان أعظمهم كرماً وفضلاً.
          قيل: إنَّ المغيرة تزوَّج ثلاثمئة امرأة في الإسلام. وقيل: ألف امرأة.
          وممَّن روى عنه من الصَّحابة: أبو أمامة الباهليُّ، والمسور بن مخرمة، وقرَّة المزنيُّ، ومن التَّابعين: أولاد عروة، وحمزة، وعَقَّار، وأبو وائل، ومن ذكرته فيما مرَّ.
          وهو أوَّل من رشى في الإسلام، (فإنَّه أعطى يَرْفا _بفتح المثنَّاة التَّحتيَّة، وسكون الرَّاء، بعدها فاء مقصورة_ حاجب عمر) شيئاً حتَّى أدخله إلى دار عمر، ويرفا أوَّل من ارتشى في الإسلام، ولمَّا توفِّي وقف مَصْقَلة بن هُبيرة الشَّيبانيُّ على قبره، ثمَّ قال: والله لقد كنت شديد العداوة لمن عاديت، شديد الأخوة لمن آخيت.
          وقصَّة عزل عمر إيَّاه بسبب شهادة الزِّنا على ما حكاه [كمال الدِّين] الدَّميريُّ(6) : أنَّ المغيرة كان أميراً على البصرة من جهة عمر، وكان يتزوَّج كثيراً، فخلا بامرأة في دار، كان معه فيها أبو بكرة نُفيع بن الحارث، وأخوه نافع، وشِبْل بن معبد، وزياد بن أبيه، فهبَّت ريح، ففتحت الباب على المغيرة، فرأوه(7) على بطن امرأة، فلمَّا أصبحوا تقدَّم المغيرة ليصلِّي(8) بهم، فقال أبو بكرة(9) : تنحَّ عن مصلَّانا. وانتشرت القصَّة، فبلغت عمر، فكتب أن يحملوا إليه، فلمَّا قدموا بدأ أبو بكرة، فشهد عليه بالزِّنا، ووصفه، فقال عليٌّ للمغيرة: ذهب ربعك. ثمَّ شهد نافع، فقال له عليٌّ: ذهب نصفك. ثمَّ شهد شبل، فقال عليٌّ: ذهب ثلاثة أرباعك. ثمَّ أقبل زياد ليشهد، فقال عمر: ما عندك؟ وأرجو الله أن لا يفضح أحداً على يدك من أصحاب النَّبيِّ صلعم. فقال: رأيت أرجلاً مختلفة، وأنفاساً عالية، ورأيته على بطنها، وإنَّ رجليها على كتفيه(10) ، كأنَّهما أذنا حمار، ولا أعلم ما وراء ذلك. فقال عمر: الله أكبر! قم يا يرفا، فاجلد هؤلاء. فجلد الثَّلاثة حدَّ القذف، ثمَّ قال لأبي بكرة: تب أقبل شهادتك. فقال: والله لا أتوب، والله زنى(11) ، والله زنى. قال: فإن قيل: الصَّحابة عدول، فما وجه هذه القصَّة؟ فالجواب: أنَّ المغيرة كان يرى جواز نكاح السِّرِّ، وكان الجماعة لا يرون ذلك، ولذلك روي أنَّه كان يتبسَّم عند(12) شهادتهم، فقيل له في ذلك، فقال: إنِّي أعجب ممَّا أريد أن أفعل بعد شهادتهم. قيل: وما تفعل؟ قال: أقيم البيِّنة على أنَّها زوجتي. قال: ثمَّ إنَّ عمر عزله عن عمله الذي كان ولَّاه، فقال: يا أمير المؤمنين، عزلتني لتهمة؟ قال: لا، ولكن كرهت أن أحمل على النَّاس فضل عامل. فرضي الله تعالى عنه.
          مات المغيرة بالكوفة، في شعبان، سنة خمسين، / وهو ابن سبعين سنة.


[1] شرح البخاري:3/22.
[2] ما بين حاصرتين مستدرك من أسد الغابة:4/406، وترجمته فيه.
[3] في غير (ن): (حتى توفي).
[4] في (ن) تصحيفاً: (الأرقم).
[5] كذا في الأصول، وفي باقي المصادر (بنعل السيف) ولم أجد أحداً استعمل (قميعة) بهذا السياق.
[6] النجم الوهاج:9/142
[7] في غير (ن): (فرآه).
[8] في غير (ن): (يصلي).
[9] في (ن) تصحيفاً: (أبو بكر).
[10] في غير (ن): (كتفه).
[11] جاء في هامش (ه) ما نصه: من أراد الوقوف على هذه القصة، فعليه بتاريخ ابن خلكان، فإنها طويلة، مذكورة في ترجمة ابن مفرغ، ومنها تعلم أن هذه الشهود الأربعة إخوة لأم واحدة اسمها سمية، وفيات الأعيان:6/365.
[12] في (ن) تصحيفاً: (عن).