غاية المرام في رجال البخاري إلى سيد الأنام

محمد بن كعب

          1222 # محمَّد بن كَعْب بن سُلَيْم بن حمزة(1) ، أبو حمزة، التَّابعيُّ، القُرَظيُّ _بضمِّ القاف، وفتح الرَّاء، آخره معجمة_ المدنيُّ، حليف الأوس.
          ثقة، عالم.
          ولد سنة أربعين على الصَّحيح، ووهم من قال: ولد في عهد النَّبيِّ صلعم ؛ لأنَّ البخاريَّ قال: إنَّ أباه كعباً لم يكن أنبت يوم قريظة، فخلِّي سبيله، ولم يُقتل. يعني لم يكن بالغاً؛ لأنَّ نبات العانة علامة البلوغ في حقِّ الكفَّار، وكان من سبي قريظة.
          سمع زيد بن أرقم.
          روى عنه الحَكَم بن(2) عُتَيبَة، بضمِّ المهملة، وفتح المثنَّاة الفوقيَّة، وبعد التَّحتيَّة المثنَّاة موحَّدة.
          نقل عنه البخاريُّ بالواسطة، في تفسير سورة المنافقين [خ¦4902] .
          قال صاحب الكمال(3) : أبوه من سبي قريظة، سكن الكوفة، ثمَّ تحوَّل إلى المدينة، واشترى بها دراراً(4) . قال العجليُّ: محمَّد ثقة، صالح، عالم بالقرآن. قال ابن سعد: كان عالماً، كثير الحديث، ورعاً.
          قال ابن السَّمعانيِّ(5) : قريظة المنسوب إليه اسم رجل نزل أولاده قلعة حَصينة بقرب المدينة، فنسبت إليهم، وقُريظة والنَّضير أخوان من أولاد هارون النَّبيِّ ╕. قال: ومحمَّد من أفاضل أهل المدينة علماً وفقهاً، ويروي عن ابن عبَّاس، وابن عمر _يعني خارج الصَّحيح_ وكان محمَّد صالحاً ورعاً تقيًّا قائم اللَّيل، قالت له أمُّه ذات يوم: كأنَّك أذنبت ذنباً موبقاً لما أراك تصنع بنفسك في اللَّيل والنَّهار. قال: يا أمَّاه(6) ، وما يؤمِّنني أن يكون الله قد اطَّلع عليَّ وأنا في بعض ذنوبي فمقتني، فقال: اذهب، / لا أغفر لك. مع أنَّ عجائب القرآن يردُّني عن أمور حتَّى إنَّه لينقضي اللَّيل ولم أفرغ من حاجتي.
          قال أبو نعيم الأصفهانيُّ(7) : كتب عمر بن عبد العزيز إلى محمَّد بن كعب يسأله أن يبيعه غلامه سالماً، وكان عابداً خيِّراً(8) ، فقال: إنِّي قد دبَّرته. قال: فأرنيه. قال: فأتاه بسالم، فقال عمر: إنِّي قد ابتليت بما ترى، وأنا والله أتخوَّف أن لا أنجو. فقال له: سالم بن عبد الله: إن كنت كما تقول، فهذا نجاتك، وإلَّا فهو الأمر الذي تخاف منه. فقال: يا سالم، عظنا. فقال: أخرج آدم صلعم من الجنَّة على خطيئة واحدة، وأنتم تخطئون الخطايا ترجون أن تدخلوا بها الجنَّة. ثمَّ سكت.
          وسئل محمَّد بن كعب، ما علامة الخذلان؟ فقال: أن يستقبح الرَّجل ما كان يستحسن، ويستحسن ما كان يستقبح.
          وقال: لأن أقرأ في ليلتي حتَّى أصبح: إذا زلزلت الأرض زلزالها، والقارعة، لا أزيد عليهما، وأتردَّد فيهما وأتفكَّر أحبُّ إليَّ من أن أهذَّ القرآن هذَّاً. أو قال: أنثره نثراً.
          وقال: لو رخِّص لأحد في ترك الذِّكر لرخِّص لزكريَّا، قال الله تعالى { آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزًا وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا } [آل عمران:41] ولو رخِّص لأحد في ترك الذِّكر لرخِّص للذين يقاتلون في سبيل الله، قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا } [الأنفال:45]
          وقال في قوله تعالى: { اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [آل عمران:200] اصبروا على دينكم، وصابروا لوعدي الذي وعدتكم، [روابطوا عدوِّي،] واتَّقوا الله فيما بيني وبينكم، لعلَّم تفلحون إذا لقيتموني(9) . قلت: وقال النَّسفيُّ(10) : اصبروا في محبَّتي، وصابروا في نعمتي، ورابطوا في خدمتي، لعلَّكم تفلحون بقربتي. وقال محيي السُّنَّة(11) _نقلاً عن أرباب اللِّسان_: اصبروا على النَّعماء، وصابروا على البأساء، ورابطوا في ديار الأعداء، واتَّقوا إله الأرض والسَّماء، لعلَّكم تفلحون في دار البقاء.
          وقال محمَّد بن كعب في قوله تعالى: { إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا } [الفرقان:65] غرموا ما نعموا في الدُّنيا. وقال أيضاً: سألهم ثمن نعمة، فلم يؤدُّوها، فأغرمهم ثمن نعمه، فأدخلهم النَّار، وبئس الورد المورود.
          وقال في قوله تعالى: { وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّبًا لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِندَ اللهِ } [الروم:39] هو الرَّجل يعطي من ماله ليكافئه به أو يزداد، فذلك الذي لا يربو عند الله، والمضعفون هم الذين يعطون لوجه الله، لا يبتغون بذلك مكافأة، فذلك الذي يضاعفه الله.
          وقال في قوله تعالى: { أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ } [الإسراء:80] اجعل سريرتي وعلانيتي حسنة.
          وقال: الياقوتة من ياقوت القرآن يضيء لها ما بين المشرق والمغرب. وقال: كذبوا والله، ما لأحد من أهل الأرض في السَّماء نجم، ولكنَّهم يتَّبعون الكهنة، ويتَّخذون النُّجوم علَّة، ثمَّ قرأ: قل { هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ*تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ } [الشعراء:221-222] الآية. /
          وقال: خلق الله تعالى ابتداء إبليس على الكفر، وعمل بعمل الملائكة، فردَّه إلى ما بدأ خلقه عليه، وبدأ خلق سحرة فرعون على السَّعادة، وعملوا بعمل السِّحر، فردَّهم إلى ما ابتدأ خلقهم من السَّعادة؛ حتَّى توفَّاهم على الإسلام.
          توفِّي سنة ثمان ومئة، وقيل: سنة سبع(12) عشرة ومئة، وعمره ثمان وسبعون(13) سنة. وقيل: سنة تسع عشرة. وقيل: سنة عشرين.


[1] كذا في أصولنا (حمزة) وفي تهذيب الكمال 26/342: (عمرو).
[2] في الأصول كلها: (روى عنه عتيبة) والتصويب من تهذيب الكمال:26/342.
[3] انظر تهذيب الكمال:26/340.
[4] في غير (ن): (مالاً).
[5] الأنساب:4/475.
[6] في (ن): (يا أمتاه).
[7] في حلية الأولياء:3/214، وترجمة محمد بن كعب مع أخباره فيها.
[8] في (ن): (خبيراً).
[9] في غير (ن): (أتيتموني).
[10] مدارك التنزيل للنسفي:1/325.
[11] معالم التنزيل للبغوي:1/561.
[12] في غير (ن): (بضع).
[13] في (ن): (ثمان وسبعين).