غاية المرام في رجال البخاري إلى سيد الأنام

مالك بن دينار

          1101 # مالك بن دينار، ذكر الكلاباذيُّ(1) هذا القدر، ولم يزد عليه، وهو: الزَّاهد، البصريُّ، أبو يحيى.
          صدوق، عابد، هو من موالي بني سَامَةَ بن لؤيٍّ القرشيُّ، كان عالماً زاهداً، كثير الورع قنوعاً، لا يأكل إلَّا من كسبه، وكان يكتب المصاحف بالأجرة، وقال: قرأت في التَّوراة أنَّ الذي يعمل بيده طوبى لمحياه ولمماته.
          وكان يوماً في مجلس _وقد قصَّ فيه قاصٌّ_ فبكى القوم، ثمَّ أتوا برؤوس، فجعلوا يأكلون منها، فقيل لمالك: كل. فقال: إنَّما يأكل الرُّؤوس من بكى، وأنا لم أبك. فلم يأكل.
          وبينما مالك يوماً جالس إذ جاءه رجل، فقال: يا أبا يحيى، ادع الله لامرأة حبلى منذ أربع سنين، وقد أصبحت في كرب شديد. فغضب مالك، وأطبق(2) المصحف، ثمَّ قال: ما يرى هؤلاء [القوم] إلَّا أنَّنا أنبياء. فقرأ، ثمَّ دعا، فقال: اللهمَّ هذه المرأة إن كانت في بطنها جارية، فأبدلها غلاماً، فإنَّك تمحو ما تشاء وتثبت، وعندك أمُّ الكتاب. ثمَّ رفع يده، ورفع النَّاس أيديهم، وجاء رسول إلى الرَّجل، وقال: أدرك امرأتك. فذهب الرَّجل، فما حطَّ مالك يده حتَّى طلع الرَّجل من باب المسجد، على رقبته غلام جَعْدٌ قَطَطٌ، ابن أربع سنين، قد استوت أسنانه، ما قطعت سرَّته، فسبحان القادر الحكيم، وكان مالك من كبار السَّادات.
          قال ابن خلِّكان(3) : حارب بعض الملوك ملكاً آخر، فانتصر عليه، وغنم أمواله، وفرَّقها على الناس، وأسر رجاله، واعتقل الأجناد، فمدحه بعضهم، واستعمل في مدحه لفظة مالك ودينار(4) ، وأدخل فيه التَّورية العجيبة، وهو من البحر الكامل، والموضع المقصود منها هو هذا:
أعتقتَ من أموالهم ما استعبَدوا                     وملكتَ رِقَّهمُ وهمْ أحرارُ /
حتَّى غدا من كان منهم مالكاً                     متمنِّياً لو أنَّه دينارُ
          قال القشيريُّ(5) : مكث مالك بن دينار أربعين سنة لم يأكل من ثمار البصرة، لا من ثمرها، ولا من رطبها؛ حتَّى مات، ولم يذقه، وكان إذا انقضى وقت الرُّطب، قال: يا أهل(6) البصرة، هذا بطني، ما نقص منه شيء، ولا زاد فيكم.
          مات بالبصرة، قبل الطَّاعون بقليل، سنة إحدى وثلاثين ومئة.


[1] في (ن): (ذكره) والمعنى أنه لم يترجم له، فقد اقتصر على ذكر اسمه، الهداية والإرشاد:2/696.
[2] في غير (ن): (وطبق).
[3] البيتان في الوفيات:4/140 مع ترجمة مالك بن دينار، حدث عنه البخاري بالواسطة في الحج برقم (1516) عن أَبَان بن يزيد العطار، عنه، عن القاسم بن محمد، عن عائشة ♦، وليس له في الصحيح غيره.
[4] في غير (ن): (مالك بن دينار).
[5] الرسالة القشيرية:1/235.
[6] في غير (ن): (قال لأهل).