غاية المرام في رجال البخاري إلى سيد الأنام

مجمع بن يزيد

          1113 # مُجَمِّعُ بنُ يَزيد _بضمِّ الميم الأولى، وفتح الجيم، وشدَّة الميم المكسورة، آخره مهملة_ بن جارية _(بالجيم)_ بن عامر، (أخو عبد الله بن يزيد الأنصاريُّ، وهو ابن أخي مجمِّع بن جارية بن عامر،) وجَدُّ مجمِّع (بن) يعقوب بن مجمِّع المدنيُّ. يقال: إنَّ لمجمع بن يزيد صحبة، وذكره ابن الأثير(1) في الصَّحابة.
          سمع خَنْساءَ بنت خِذَام(2) .
          روى عنه ابن أخيه عبد الرَّحمن مقروناً به القاسم بن محمَّد.
          نقل عنه البخاريُّ بالواسطة، في النِّكاح [خ¦5138] .
          (قال ابن الأثير: مجمِّع هذا هو ابن أخي مجمِّع(3) بن جارية. وقال ابن منده: أراهما واحداً، وقال أبو نعيم: أفرده بعض المتأخِّرين عن الأوَّل، وهما واحد.
          قال ابن الأثير: مجمِّع بن جارية يعدُّ في أهل المدينة، وكان أبوه ممَّن اتَّخذ مسجد الضِّرار، كان مجمِّع غلاماً حدثاً، قد جمع القرآن على عهد رسول الله صلعم إلَّا سورة، أو سورتين، وكان أبوه من المنافقين، من أصحاب مسجد الضِّرار، وكان مجمِّع يصلِّي بهم في مسجد الضِّرار، ثمَّ إنَّ رسول الله صلعم أحرق مسجدهم، فلمَّا كان خلافة عمر كلَّموا عمر ليصلِّي مجمِّع بقومه، فقال: لا، أليس كان إمام المنافقين في مسجد الضِّرار؟ فقال: والله الذي لا إله إلا هو، ما علمت شيئاً من أمرهم(4) . فتركه عمر يصلِّي.
          قال مجمِّع: سمعت رسول الله صلعم يقول: «يقتل ابن مريم الدَّجَّال بباب لُدٍّ».
          تتمَّة:
          قصَّة بناء مسجد الضِّرار هي أن بني عمرو بن عوف لمَّا بنوا مسجد قُباء بعثوا إلى رسول الله صلعم أن يأتيهم، فأتاهم فصلَّى فيهم، فحسدتهم إخوتهم بنو(5) غَنْم بن عوف، وقالوا: نبني مسجداً، ونرسل إلى رسول الله صلعم يصلِّي فيه، ويصلِّي فيه أبو عامر الرَّاهب إذا قدم من الشَّام؛ ليثبت لهم الفضل والزِّيادة على إخوتهم، وهو الذي سمَّاه رسول الله صلعم الفاسق، وقال لرسول الله صلعم يوم أُحد: لا أجد أحداً يقاتلك إلَّا قاتلتك مع.، فلم يزل يقاتلهم إلى يوم حنين، فلمَّا انهزمت هوازن خرج هارباً إلى الشَّام، وأرسل إلى المنافقين أن استعدُّوا بما استطعتم من قوَّة وسلاح، فإنِّي ذاهب إلى قيصر، وآتٍ بجنوده، ومخرجٌ(6) محمَّداً وأصحابه من المدينة. وكان أبو عامر رجلاً منهم، وهو والد حنظلة غسيل الملائكة، سمِّي بذلك لأنَّه استشهد يوم أحد جنباً، وغسَّلته الملائكة، فسبحان الله! يخرج الحيَّ من الميِّت، ويخرج(7) الميِّت من الحيِّ، والكلُّ بقدره وقضائه، لا رادَّ لما حكم، اللهم ثبِّتنا على / دين الإسلام، وكان أبو عامر قد ترهَّب في الجاهليَّة، وتنصَّر، ولبس المسوح، فلمَّا قدم صلعم المدينة قال: يا محمَّد، ما هذا الذي جئت به؟ قال: «جئت بالحنيفيَّة، دين إبراهيم». قال أبو عامر: فأنا عليها. فقال صلعم: «لست عليها». قال: بلى، ولكنَّك أدخلت فيها ما ليس منها. فقال صلعم: «ما فعلت، ولكن جئت بها بيضاء نقيَّة». فقال أبو عامر: أمات الله منا الكاذب طريداً وحيداً غريباً. وواعده بالحرب معه، مع أيِّ(8) مقاتل، وكان بالمدينة اثنا(9) عشر رجلاً من أهل النِّفاق: وديعة بن ثابت، وخِذَام بن خالد، ومن داره أخرج مسجد الضِّرار(10) ، وثعلبة بن حاطب، وجارية بن عامر، وابناه مجمِّع ويزيد، ومعتِّب بن قُشير، وعبَّاد بن حُنيف أخو سهل بن حُنيف، وأبو حَبيبة بن الأزعر، ونبتل بن الحارث، ورجل يقال له: بَحزَج، فبنوا هذا المسجد مضارَّة للمؤمنين؛ لأنَّهم كانوا جميعاً في مسجد قباء، فبنوا مسجد الضِّرار؛ ليصلِّي فيه بعضهم؛ ليؤدِّي ذلك إلى الاختلاف وافتراق الكلمة، وكان يصلِّي بهم مجمِّع بن جارية، فلمَّا فرغوا أتوا رسول الله صلعم وهو يتجهَّز إلى تبوك، فقالوا(11) : يا رسول الله، إنَّا بنينا مسجداً لذي العاهة والحاجة واللَّيلة المطيرة، وإنَّا نحبُّ أن تأتينا وتصلِّي لنا فيه، وتدعو بالبركة. فقال صلعم: «إنِّي على جناح السفر(12) ، فإذا قدمنا إن شاء الله(13) أتيناكم، وصلَّينا لكم». فلمَّا انصرف من تبوك _ونزل بذي أوان(14) ، موضع قريب من المدينة_ أتوه، فسألوه إتيان مسجدهم، فدعا بقميصه ليلبسه ويأتيهم(15) ، فنزل عليه القرآن، وأخبره الله تعالى خبر مسجد الضِّرار، وما همُّوا به، فدعا صلعم مالك بن الدُّخْشُم(16) ، ومعن بن عديٍّ، وعامر بن السَّكَن، ووحشيًّا(17) قاتل حمزة، وقال: «انطلقوا إلى هذا المسجد الظَّالم أهلُه (سريعاً)، فاهدموه، وأحرقوه سريعاً». ففعل(18) ، وأمر أن يتَّخذ مكانه كناسة يرمى فيه الجيف والقُمَامة، ومات أبوعامر بقنِّسرين الشَّام وحيداً طريداً غريباً، كما دعا على نفسه. قال محيي السُّنة(19) : فانطلق مالك ومن معه حتَّى أتوا سالم بن عوف، و [هو] رهط مالك، فقال: انتظروني حتَّى أرجع إليكم بنار من أهلي. فأخذ سعفاً من النَّخل، فأشعل فيه ناراً، ثمَّ خرجوا يشتدُّون حتَّى دخلوا المسجد وفيه أهله، فحرَّقوه وهدموه، وتفرَّق عنه أهله.
          قال عطاء: لمَّا فتح الله على عمر بن الخطَّاب الأمصار، أمر المسلمين أن يبنوا المساجد، وأمرهم أن لا يبنوا في مدينتهم مسجدين يضارَّ أحدهما صاحبه. قال الزَّمخشريُّ في كشَّافه: كلُّ مسجد بني مباهاة أو رياء وسمعة، أو لغرض سوى ابتغاء وجه الله تعالى، أو بمال (مغصوب)، فهو لاحِق بمسجد الضِّرار.
          وعن شقيق البلخيِّ أنَّه لم يدرك الصَّلاة في مسجد بني عامر، فقيل له: مسجد بني فلان لم يصلُّوا(20) فيه [بعد] . فقال: لا أحبُّ أن أصلِّي فيه، فإنَّه بني على ضرار، / (وكلُّ مسجد بني على ضرار، أو على رياء وسمعة، فإنَّ أصله ينتهي لمسجد الذي بني ضراراً). وكان من عادة شقيق أن يصلِّي في مسجد بني عامر.


[1] أسد الغابة:5/62.
[2] في (ن): (حبشا) وفي غرها (حسنا بنت حزام) وهو تصحيف، والمثبت من تهذيب الكمال:18/11، ومن صحيح البخاري، وقال المزي: مجمِّع بن جارية، ويقال: مجمِّع بن يزيد بن جارية، فجعلهما واحداً. ثم قال: ويقال: إنهما اثنان، التهذيب:27/244.
[3] سقطت (مجمع) من الأصول واستدركت من أسد الغابة.
[4] في غير (ن): (من أمرهم بشيء).
[5] في (ن): (بنوا).
[6] في (ن): (وأخرج).
[7] في غير (ن): (مخرج) في الموضعين.
[8] في (ن) تصحيفاً: (مع ابن).
[9] ذكر المصنف أحد عشر رجلاً، أما ثاني عشرهم فهو: بِجَادُ بن عثمان، وقصتهم في عيون الأثر لابن سيد الناس:2/263، ومغازي الواقدي:3/1046، وجاء في الأصول: (اثني عشر رجلاً) (رتقة بن ثابت) و(جارية بن عمرو) و(نبيل بن الحارث)، و(جناح السفر) والمثبت من المصدرين السابقين ومن غيرهما.
[10] في غير (ن): (هذا المسجد).
[11] في (ن): (فقال).
[12] في غير (ن): (سفر).
[13] في غير (ن): (إن شئنا) جاء في هامش (ه): (ن، إن شاء الله) يعني في نسخة.
[14] في (ن): (أران).
[15] في (ن): (ويأتهم).
[16] في (ن): (الزخشم).
[17] في (ن): (والوحشي).
[18] في (ن): (فقفل).
[19] تفسير البغوي:2/387.
[20] في غير (ن): (لم يصل).