غاية المرام في رجال البخاري إلى سيد الأنام

محمد بن سيرين

          1172 # محمَّد بن سِيْرينَ، بكسر المهملة، ثمَّ مثنَّاة تحتيَّة، آخرها نون. قيل: إنَّه معرَّب شيرين _بالمعجمة_ يعني: الحلو، وكان سيرين عبداً لأنس بن مالك، من سبي عين التَّمر، كاتبه على أربعين ألفاً أو عشرين، فأدى النُّجوم وعَتَق، وأمُّه اسمها صفيَّة، مولاة أبي بكر الصِّدِّيق، ☺، وأدرك محمَّد نحو ثلاثين من الصَّحابة، ولد لسنتين بقيتا من خلافة عثمان.
          قال ابن خلكان(1) : طيَّبها _يعني صفيَّة_ ثلاثٌ من أزواج النَّبيِّ صلعم، ودعون لها، وحضر إملاكها ثمانية عشر بدريًّا، فيهم أُبَيُّ بن كعب، يدعو وهم يؤمِّنون، وكان محمَّد صاحبَ الحسن البصريِّ، ثمَّ تهاجرا إلى الممات، ولمَّا مات الحسن لم يحضر ابن سيرين جنازته، وعاش بعده مئة يوم، وكان الشَّعبيُّ يقول: عليكم بذاك الرَّجل الأصمِّ. يعني ابن سيرين؛ لأنَّه كان في أذنه وقر، وكانت له اليد الطُّولى في تعبير الرُّؤيا.
          وقال نصر بن يعقوب الدَّينوريُّ: أتاه شخص، فقال: رأيت البارحة كأنِّي أدوس على وجه الخليفة. قال: نمت البارحة وفي رجلك الخفُّ؟ قال: نعم. قال: فانفض (خفَّك، فإنَّ) فيه درهماً. فنفض، فكان كما قال، وكان بَزَّازاً، وحبس بدين كان عليه، وكان حبسه في سبب دين ركبه لبعض الغرماء، وذلك أنَّه اشترى زيتاً بأربعين ألف درهم، فوجد في زقٍّ منه فأرة، فقال: الفأرة كانت في المعصرة. فصبَّ الزَّيت كلَّه، وكان يقول: عيَّرت رجلاً بشيء منذ ثلاثين سنة، وأحسبني عوقبت به. وكانوا يرون أنَّه عيَّر رجلاً بالفقر فابتلي، وولد له ثلاثون ولداً من امرأة واحدة، ولم يبق منهم غير عبد الله، ولمَّا مات كان عليه ثلاثون ألف درهم، فقضاها ولده عبد الله، فما مات عبد الله حتَّى قوِّم ماله بثلاثمئة ألف درهم، وقال الأصمعيُّ: الحسن البصريُّ سيِّد سمح، وإذا حدَّث الأصمُّ بشيء فاشدد يديك عليه _يعني ابن سيرين_ وقتادة حاطب ليل.
          قال الكرمانيُّ(2) : وهو ممَّن لا يجوِّز نقل الحديث بالمعنى، وكان يحدِّث بالحديث على حروفه، وهو ثقة، ثبت، عابد، كبير القدر، رفيع الرُّتبة، إمام في العلوم، ورع في فقهه، فقيه في ورعه، مشهور [بعلم العبارة] .
          قال في روض الأفكار: قال محمَّد بن سيرين: لو خيَّرني ربِّي(3) بين الجنَّة وبين ركعتين من الصَّلاة لاخترت الرَّكعتين(4) على الجنَّة؛ لأنَّ في الرَّكعتين رضا ربِّي، وفي الجنَّة رضاي، فأختار رضا الله على رضاي. وهو أخو معبد، وأنس، ويحيى، وحفصة، وكريمة (بني سيرين)، وإذا أطلق ابن سيرين، فالمراد محمَّد.
          روى محمَّد: عن يحيى، ويحيى عن أنس، وهو من المستظرفات لكونهم ثلاثة إخوة، روى بعضهم عن بعض. /
           قال ابن المدينيِّ: أصحُّ الأسانيد محمَّد بن سيرين، عن عَبيدة السَّلْمانيِّ _بفتح المهملة_ عن عليِّ بن أبي طالب.
          قال الكلاباذيُّ(5) : يقال له: محمَّد بن أبي عَمْرَةَ، أبو بكر الأنصاريُّ، تابعيٌّ كبير، سمع أنس بن مالك، وأبا هريرة، وأمَّ عَطية، وعَبيدة السَّلمانيَّ، وحُميد بن عبد الرَّحمن، وعبد الرَّحمن بن أبي بَكْرَة، وأخاه مَعْبَد بن سيرين، روى عنه عاصم الأحول، وأيُّوب، وابن عون، ويونس بن عُبيد، وخالد الحَذَّاء، وهشام بن حسَّان، وجرير بن حازم، وعوف بن أبي جميلة.
          نقل عنه البخاريُّ في مواضع، أوَّلها: في باب اتِّباع الجنائز، من كتاب الإيمان [خ¦47] .
          مات في شوال، سنة عشر ومئة.


[1] في وفيات الأعيان:4/181.
[2] شرح البخاري:1/184.
[3] في (ن) تصحيفاً: (أبي).
[4] في (ن): (ركعتين).
[5] الهداية والإرشاد:2/649.