غاية المرام في رجال البخاري إلى سيد الأنام

مروان بن الحكم

          1270 # مَرْوانُ بنُ الحَكَم _بفتحتين_ بن أبي العاص بن أميَّة، أبو عبد الملك، القرشيُّ، الأمويُّ، المدنيُّ.
          ولي الخلافة [في آخر] سنة أربع وستِّين، اختلفوا في أنَّه صحابيٌّ بعد اتِّفاقهم أنَّه لم يرو شيئاً عن النَّبيِّ صلعم، قال الواقديُّ: مات النَّبيُّ صلعم وهو ابن ثمان سنين، وهو ابن عمِّ عثمان بن عفَّان، ولد على عهد رسول الله صلعم.
          قال ابن الأثير(1) : قيل: ولد سنة اثنتين من الهجرة. وقيل: يوم أحد. وقيل: يوم الخندق. وقيل: ولد بمكَّة. وقيل: بالطَّائف. ولم يسمع من النَّبيِّ صلعم ؛ لأنَّه خرج إلى الطَّائف طفلاً لا يعقل؛ لمَّا نفى رسول الله صلعم أباه الحكم، فكان مع أبيه بالطَّائف، حتَّى استخلف عثمان فردَّهما، واستكتب عثمان مروان وضمَّه إليه، ونظر إليه [عليٌّ] يوماً، فقال: ويل لك، وويل أمَّة محمَّد منك / ومن بنيك(2) . وكان يقال لمروان: خيطُ باطلٍ. وضرب يوم الدَّار على قفاه، فقطع إحدى عِلْباويه، فعاش بعد ذلك أوقص.
          قال الزَّمخشريُّ في كشَّافه _في قوله تعالى_: { وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ } [الإسراء:60] الآية، قيل: الرُّؤيا: الإسراء، وإنَّما سمَّاها (رؤيا) على قول المكذِّبين، حيث قالوا: لعلَّها رؤيا رأيتَها. كما قال: { فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ } [الصافات:91] أي بزعمهم أنَّهم آلهة، وقيل: رؤياه(3) أنَّه سيدخل مكَّة. وقيل: رأى في المنام أنَّ ولد الحكم يتداولون منبره، كما يتداول الصِّبيان الكرة.
          وقال جار الله العلَّامة، والنَّسفيُّ _في قول الله(4)_: { وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَا } [الأحقاف:17] أنَّ معاوية بعث إلى مروان ليأمر النَّاس(5) بالبيعة ليزيد، فقال عبد الرَّحمن بن أبي بكر: لقد جئتم بها هرقليَّة، أتبايعون لأبنائكم؟ فقال (مروان): يا أيُّها النَّاس، هذا هو الذي قال الله تعالى فيه: { وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ } [الأحقاف:17] الآية، فسمعت عائشة، فغضبت، وقالت: والله (ما هو به،) ولو شئت أن أسمِّيه لسمَّيته، ولكنَّ الله لعن أباك وأنت في صلبه، فأنت فَضَضٌ من لعنة الله. وقد ذكرت تمام القصَّة في ترجمة عبد الرَّحمن.
          قال في أسد الغابة(6) : لمَّا بويع مروان بالخلافة في الشَّام قال أخوه عبد الرَّحمن بن الحكم وكان ماجناً(7) حسن الشِّعر، لا يرى رأي مروان فأنشد _من البحر الطَّويل_:
فوالله ما أدري وإنِّي لسائل                     حَليلةَ مضروبِ القَفَا كيف تصنع
لَحَا الله(8) قوماً أَمَّروا خيطَ باطلٍ                     على النَّاس يُعطي من يشاء ويمنع
          وقيل: إنَّما قال عبد الرَّحمن هذين البيتين حين ولَّاه معاوية المدينة، واستعمله معاوية على المدينة ومكَّة والطَّائف، ثمَّ عزله عن المدينة سنة ثمان وأربعين، واستعمل عليها سعيد بن [أبي] العاص، وبقي عليها أميراً إلى سنة أربع وخمسين، ثمَّ عزله، واستعمل الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، فلم يزل عليها إلى أن مات معاوية، ولمَّا مات معاوية بن يزيد بن معاوية ولم يعهد إلى أحد بايع النَّاس بالشَّام مروان بالخلافة، وبايع الضَّحَّاك بن قيس الفهريُّ بالشَّام أيضاً لعبد الله بن الزُّبير، والتقيا واقتتلا بمرج راهط عند دمشق، فقتل الضَّحَّاك، واستقام الأمر بالشَّام ومصر لمروان، ثمَّ بعد تسعة أشهر تزوَّج أمَّ خالد بن يزيد؛ لأنَّه كان صغيراً، وأراد أن يضع من خالد، فقال يوماً لخالد: يا ابن رطبة الاست. فقال له خالد: أنت مؤتمن خائن. وشكى خالد إلى أمِّه، فقالت [له] : لا تعلمه أنَّك ذكرته لي. فلمَّا دخل إليها مروان قامت إليه مع جواريها فغمَّتْه حتَّى مات، وقيل: أطعمته السُّمَّ فمات. وكانت ولايته تسعة أشهر، أو عشرة، وهو معدود فيمن قتله(9) النِّساء، وعاش ثلاثاً وستِّين سنة، وأمُّه أميَّة بنت علقمة، وكان نقش خاتمه العزَّة لله، وكان وزيره سفيان الأحول، وكان مروان رجلاً قصيراً، وقال فيه أخوه عبد الرَّحمن _من البحر الوافر_:
ألا من مبلغ مروانَ عنِّي                     رسولاً والرُّسولُ من البيان /
بأنَّك لن ترى طَرْدًا لحُرٍّ                     كإلصاقٍ به بعضَ الهوان
وهل حُدِّثتَ قبلي عن كريم                     مُعينٍ في الحوادث أو مُعَان
يقيم بدار مَضْيعةٍ إذا لم                     يكن حَيْرانَ أو خَفِقَ الجَنَان
فلا تقذف بي الرَّجَوَيْنِ إنِّي                     أقلُّ القوم من يُغني مكاني
سأكفيك الذي استكفيت منِّي                     بأمرٍ لا تخالجه اليَدان
ولو أنَّا بمنزلةٍ جميعاً                     جَرَيْتَ وأنت مضطرب العِنَان(10)
ولو أن كان أُمُّ أبيك أُمِّي                     وأنَّ مَنْ قد هجاك فقد هجاني
لقد جاهرت بالبغضاء إنِّي                     إلى أمر الجهارة والعِلان
          قال الكلاباذيُّ(11) : سمع مروان عثمان، وعليَّ بن أبي طالب، وزيد بن ثابت، وعبد الرَّحمن بن الأسود بن عبد يغوث، روى عنه سهل بن سعد السَّاعديُّ، وعليُّ بن الحسين بن عليٍّ، وعروة بن الزُّبير، وأبو بكر بن عبد الرَّحمن.
          نقل عنه البخاريُّ بالواسطة، في كتاب الصَّلاة [خ¦764] ، والحجِّ [خ¦1563] ، وأوَّل ما ذكره في صحيحه تعليقاً، في باب البزاق والمخاط، من كتاب الوضوء [خ¦قبل 241] .
          مات بدمشق، ودفن بها لثلاث خلون من رمضان، سنة خمس وستِّين، وكان أصغر من عبد الله بن الزُّبير بأربعة أشهر، وقال يحيى بن بكير: ولد مروان سنة ولادة مسور بن مخرمة. يعني السَّنة الثَّالثة من الهجرة.
          فائدة:
          لمَّا ذكرت مروان أردت أن أذكر والده الحكم، وإن لم يكن من شيوخ البخاريِّ؛ لاشتمال ذكره على معجزات النَّبيِّ صلعم، فنقول: الحكم هو عمُّ عثمان بن عفَّان، معدود في أهل الحجاز. أسلم يوم الفتح، قال قيس بن حَبْتَرَ(12) : إنَّ بنت الحكم بن [أبي] العاص قالت لأبيها: ما رأيت قوماً كانوا أسوأ رأياً، وأعجز في أمر رسول الله صلعم منكم يا بني أميَّة! فقال (لها): لا تلومينا يا بنيَّة، إنِّي لا أحدِّثك إلَّا ما رأيت بعينيَّ هاتين، قلنا: والله ما نزال نسمع قريشاً تقول: يصلِّي هذا الصَّاببب في مسجدنا. فتواعدنا له، فأتيناه ليلة وهو(13) يصلِّي، فلمَّا رأيناه، سمعنا صوتاً ظننَّا أنَّه ما بقي بتهامة جبل إلَّا تفتَّت علينا، فما عقلنا حتَّى قضى صلاته، ورجع إلى أهله، ثمَّ تواعدنا ليلة أخرى، فلمَّا جاء نهضنا إليه، فرأيت الصَّفا والمروة التقت إحداهما بالأخرى، فحالتا بيننا وبينه، فوالله ما نفعنا ذلك. قال أبو أحمد العسكريُّ: قال بعضهم: إنَّه حَكَمٌ آخر ليس بابن أبي العاص.
          قال جبير بن مطعم: كنا مع النَّبيِّ صلعم، فمرَّ الحكم بن أبي العاص، فقال النَّبيُّ صلعم: ويل لأمَّتي ممَّا في صلب هذا. والحكم هو طريد النَّبيِّ صلعم، نفاه من المدينة إلى الطَّائف، وخرج معه ابنه مروان، وقيل: بل ولد مروان بالطَّائف. /
           واختلفوا في السَّبب (الموجب) لنفيه، فقيل: كان يتسمَّع سرَّ رسول الله صلعم، وكان يطَّلع عليه من باب بيته، وهو الذي أراد صلعم أن يفقأ عينه بالمِدْرَى(14) في يده؛ لمَّا اطَّلع عليه من الباب، وقيل: كان يحاكي رسول الله صلعم في مشيته، وكان صلعم يتكفَّأ في مشيته، فالتفت يوماً، فرآه يتخلَّج ويتخلَّع في مشيته، فقال: «كن كذلك». فلم يزل يرتعش في مشيته من يومئذ، وقال عبد الرَّحمن بن حسَّان بن ثابت في هجائه لعبد الرَّحمن بن الحكم _من (البحر) الكامل_(15) :
إنَّ اللَّعين أبوك فارمِ عظامَه                     إنْ ترمِ (ترمِ) مُخَلَّجاً مجنوناً
يُمسي خَميص البطنِ من عمل التُّقى                     ويظلُّ من عمل الخبيث بَطيناً
          ومعنى قول عبد الرَّحمن: إنَّ اللَّعين أبوك هو ما ذكرنا من قول عائشة: لعن الله أباك وأنت في صلبه. أو أراد(16) باللَّعين الطَّريد المبعد(17) ، وكان طريداً إلى الطَّائف، كما مرَّ.
          قال ابن الأثير(18) : وقد روي في لعنه ونفيه أحاديث كثيرة، لا حاجة إلى ذكرها إلَّا أنَّ المقطوع به أنَّ النَّبيَّ صلعم مع حلمه وإغضائه على ما يكره، ما فعل به ذلك إلَّا لأمر عظيم، ولم يزل منفيًّا حياةَ رسول الله صلعم، فلمَّا ولِّي أبو بكر قيل له في الحكم ليردَّه إلى المدينة، قال: ما كنت لأحلَّ(19) عقدة عقدها رسول الله صلعم، وكذلك عمر، فلمَّا ولِّي عثمان ردَّه، فقيل له في ذلك، فقال: كنت قد شفعت فيه إلى رسول الله صلعم، فوعدني بردِّه. وهذه أيضاً ممَّا نُقم به على عثمان، ☺، وتوفِّي الحكم في خلافة عثمان.


[1] أسد الغابة:5/144، وترجمته فيه، وما بين حاصرتين منه، والأوقص الذي قصرت عنقه، ويسمى بخيط باطل لدقة عنقة، ومعنى فضض: أي قطعة من لعنة الله، ويروى: فُضَاضة، وفُظَاظة، وفُضُض.
[2] في غير (ن): (بيتك).
[3] في (ن): (رؤيا).
[4] في (ن): (في قوله).
[5] في (ن): (ليأمر بالناس).
[6] أسد الغابة:5/144، والشعر كله مع أخباره فيه، وجاء في الأصول اضطراب في الأبيات كقوله: (من مبلغاً) و(بأنك لو) و(جيران) و(العياني)، فقومت منآدها من المصدر المذكور، ومن الاستيعاب، وما بين حاصرتين منه.
[7] في (ن): (وكان ماجداً).
[8] في (ن) تصحيفاً: (لا حي).
[9] في (ن): (في قتلة).
[10] في (ن) تصحيفاً: (العياني).
[11] الهداية والإرشاد:2/716، وترجمة مروان فيه.
[12] في (ن) تصحيفاً: (قيس بن جبير).
[13] في (ن): (وهاهو).
[14] في غير (ن): (بمدرى).
[15] الشعر مع الخبر في أسد الغابة:5/145.
[16] في (ن): (وأراد).
[17] في غير (ن): (البعيد).
[18] نفس المصدر السابق.
[19] في (ن): (أحل).