إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: ألا أدلك على كلمة هي كنز من كنوز الجنة

          6384- وبه قال: (حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ) أبو أيُّوب الواشحيُّ الأزديُّ البصريُّ قاضي مكَّة (حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ) أي: ابنُ درهمٍ، أحدُ الأئمَّة الأعلام (عَنْ أَيُّوبَ) السَّخْتِيانيِّ (عَنْ أَبِي عُثْمَانَ) عبد الرَّحمن بن مُـَـِلٍّ♣ النَّهديِّ (عَنْ أَبِي مُوسَى) الأشعريِّ ( ☺ ) أنَّه (قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلعم فِي سَفَرٍ) قال الحافظ ابن حَجرٍ: لم أقفْ على تعيينهِ (فَكُنَّا إِذَا عَلَوْنَا) شَرَفًا (كَبَّرْنَا) الله تعالى فرفعنَا أصواتنَا (فَقَالَ النَّبِيُّ صلعم : أَيُّهَا النَّاسُ ارْبَعُوا) بالوصل وفتح الموحدة(1) (عَلَى أَنْفُسِكُمْ) أي: ارفقوا بها، ولا تبالغُوا في الجهر(2) (فَإِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ) قال الكِرمانيُّ: ويروى: ”أصمًا“ بالألف، قال: ولعلَّه باعتبارِ مناسبتهِ لقوله: (وَلَا غَائِبًا، وَلَكِنْ) بتخفيف النون (تَدْعُونَ سَمِيعًا بَصِيرًا) كالتَّعليل لقوله: «لا تدعون أصمَّ»، وفي «الجهادِ» [خ¦2992]: «إنَّه معكم(3) إنَّه سميعٌ قريبٌ». قال أبو موسى: (ثُمَّ أَتَى(4)) صلعم (عَلَيَّ) بتشديد التَّحتية (وَأَنَا أَقُولُ فِي نَفْسِي: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ. فَقَالَ) لي: (يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ قَيْسٍ قُلْ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ، فَإِنَّهَا كَنْزٌ مِنْ كُنُوزِ الجَنَّةِ _أَوْ قَالَ: أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى كَلِمَةٍ هِيَ كَنْزٌ مِنْ كُنُوزِ الجَنَّةِ_) بالشَّكِّ من الرَّاوي. قال في «الكواكب»: أي: كالكنزِ في كونه نفيسًا مدَّخرًا مكنونًا عن أعينِ النَّاس. وقال في «شرح المشكاة»: هذا التَّركيب ليس باستعارةٍ لذكرِ المشبَّه وهو الحوقلةُ، والمشبَّه به وهو الكنزُ، ولا التَّشبيه الصِّرف لبيان الكنز بقوله: «من كنوز الجنَّة»، بل هو إدخالُ الشَّيء في جنسٍ، وجعلهِ أحدَ أنواعه على التَّغليب، فالكنز إذًا نوعان؛ الأوَّل: المتعارف وهو المال الكثير يُجعلُ بعضُه فوق بعضٍ ويُحفظ، والثَّاني: غير المتعارف، وهو هذه الكلمة الجامعة المكتنزة بالمعاني الإلهيَّة لِمَا أنَّها محتويةٌ على التَّوحيد الخفيِّ؛ لأنَّه إذا نُفِيَتِ الحيلة والاستطاعةُ عمَّا مِن شأنه ذلك، وأُثْبِتَتْ لله على سبيلِ الحصر بإيجادهِ واستعانتهِ وتوفيقه، لم يخرج شيءٌ من ملكه وملكوته، ومن الدَّليل على أنَّها دالَّةٌ على التَّوحيد الخفيِّ قوله صلعم لأبي موسى: «ألَا أدلُّكَ على كنزٍ» مع أنَّه كان يذكرها في نفسهِ، والدَّلالة على ذلك(5) إنَّما(6) تستقيم على ما لم يكنْ عليه، وهو أنَّه لم يعلمْ أنَّه توحيدٌ خفيٌّ وكنزٌ من الكنوزِ، ولأنَّه لم يقلْ له ما ذكرته كنزٌ من الكنوزِ، بل صرَّح بها، فقال: (لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ) تنبيهًا على هذا السِّرِّ. انتهى.
          فإن قلتَ: ما مناسبةُ الحديث للتَّرجمة، فإنَّه ترجم بالدُّعاء والَّذي في الحديث التَّكبير؟ أُجيب باحتمال أن يكون أخذه من قوله فيه: «فإنَّكم لا تدعون أصمَّ».


[1] في (ع): «الهمزة».
[2] في (ب): «الجهد».
[3] «إنه معكم»: ليست في (د).
[4] في (د) زيادة: «النبي».
[5] «على ذلك»: ليست في (س).
[6] في (د): «أنها».