إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: لا يتمنين أحد منكم الموت لضر نزل به

          6351- وبه قال: (حَدَّثَنَا) ولأبي ذرٍّ: ”حَدَّثني“ بالإفراد (ابْنُ سَلَامٍ) بتخفيف اللام وتشديدها، محمَّد قال: (أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ) بضم العين وفتح اللام والتحتية المشددة، هو إسماعيلُ بن إبراهيم بن مِقْسَم الأسديُّ مَولاهم البصريُّ (عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ) البُنَانيِّ الأعمى (عَنْ أَنَسٍ ☺ ) أنَّه (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم ) مخاطبًا للصَّحابة ومن بعدهم من المسلمين عمومًا: (لَا يَتَمَنَّيَنَّ) بنون التَّأكيد(1) الثَّقيلة (أَحَدٌ مِنْكُمُ) ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي: ”أحدكم“ (المَوْتَ لِضُرٍّ) أي: لأجل مرضٍ أو غيره(2) (نَزَلَ بِهِ، فَإِنْ كَانَ) مَن نزل به الضُّر (لَا بُدَّ مُتَمَنِّيًا لِلْمَوْتِ، فَلْيَقُلِ: أَللَّهُمَّ) بقطع الهمزة كهمزة (أَحْيِنِي مَا كَانَتِ الحَيَاةُ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الوَفَاةُ خَيْرًا لِي) فإن قلت: ما الحكمة في كونهِ أتى بـ «ما» في الأوَّل، و«إذا» في الثَّاني؟ قلت: أجابَ عنه الحافظُ فقال: عبَّر في الحياة بقوله: «ما كانت» لأنَّها حاصلةٌ، فحَسُنَ أن يأتيَ بالصِّيغة المفيدة للاتصاف بالحياة، ولمَّا كانت الوفاة لم تقعْ بعدُ حَسُنَ أنْ يأتيَ بصيغة الشَّرط، والظَّاهر أنَّ هذا الضَّرر دُنيويٌّ لا دِينيٌّ(3)، وقوله: «لا يتمنينَّ» نهيٌ خرج في صورة النَّفي للتَّأكيد، وإنَّما نهى عن ذلك؛ لأنَّه في معنى التَّبرُّم عن(4) قضاء الله في أمرٍ منفعتُه عائدةٌ على العبدِ في آخرته. نعم لو كان التَّمنِّي خوف فسادِ الدِّين ساغَ له ذلك. وقوله: «فليقل» ليس للوجوب؛ لأنَّ الأمرَ بعد الحظرِ لا يبقى على حقيقتهِ.
          والحديثُ‼ أخرجهُ مسلمٌ في «الدَّعوات» أيضًا، والتِّرمذيُّ في «الجنائز»، والنَّسائيُّ في «الطِّبِّ» والله أسألَ أن يُطيل عمري في طاعتهِ، ويلبسنِي أثوابَ عافيتهِ، ويقبضنِي على الإسلامِ والسُّنَّة من غير فتنةٍ ولا محنةٍ، في طَيْبةَ الطَّيِّبة، وأن يردَّ ضالَّتي ويُصلحَ لي دِيني ودُنياي وآخرتي، والحمد لله وصلَّى الله على سيدنا محمَّد(5) رسول الله وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.


[1] في (د): «التوكيد».
[2] في (د): «لغيره».
[3] قوله: «فإن قلت: ما الحكمة... دُنيويٌّ، لا دِينيٌّ»: ليس في (س).
[4] في (د): «في».
[5] «محمد»: ليست في (د) و(ص) و(ع).