إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث معاوية: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد

          6330- وبه قال: (حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ) بكسر العين، قال: (حَدَّثَنَا جَرِيرٌ) هو ابنُ عبد الحميد (عَنْ مَنْصُورٍ) هو ابنُ المعتمرِ (عَنِ المُسَيَّبِ) بفتح الياء(1) التَّحتية المشددة (ابْنِ رَافِعٍ) الكاهليِّ (عَنْ وَرَّادٍ) بفتح الواو والراء المشددة وبعد الألف دال مهملة (مَوْلَى المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ) وكاتبه، أنَّه (قَالَ: كَتَبَ المُغِيرَةُ إِلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ) لمَّا كتب له معاوية: اكتبْ لي بحديثٍ سمعتَه من رسول الله / صلعم (أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم كَانَ يَقُولُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ) مكتوبةٍ، ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي: ”صلاته“ (إِذَا سَلَّمَ) منها: (لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ) تأكيدٌ لسابقه مع ما فيه من تكثيرِ حسنات الذَّاكر (لَهُ المُلْكُ، وَلَهُ الحَمْدُ) زاد الطَّبرانيُّ من طريقٍ آخر(2) عن المغيرة: «يُحيي ويُميت وهو حيٌّ لا يموت بيده الخير» (وَهْوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) هذا معدودٌ من العمومات الَّتي لم يطرقْها تخصيصٌ، ونازعَ بعضهم فيه من جهةِ تخصيصهِ بالمستحيلِ، لكنَّه مبنيٌّ على أنَّ لفظة «شيءٍ» تُطلق على المستحيلِ بل على المعدوم، وفيه خلافٌ مشهورٌ ومذهب أهل السُّنَّة المنع.
          (اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ) يمنع من كلِّ أحدٍ (لِمَا أَعْطَيْتَ) أي(3): لِمَا أردتَ إعطاءه، وإلَّا فبعد الإعطاء من كلِّ أحدٍ(4) لا مانع له؛ إذ الواقع لا يرتفعُ بخلاف قوله: (وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ) فإنَّه لا يحتاجُ إلى هذا التَّأويل‼ والرِّواية بفتح «مانعَ» و«مُعطيَ» واستُشكل: لأنَّ اسم «لا» إذا كان شبيهًا بالمضاف يُعرَّف فما وجه ترك التَّنوين؟ وأُجيب بأنَّ الفارسيَّ حكى لغة بإجراء الشَّبيه بالمضاف مُجرى المفرد، فيكون مبنيًّا، وجوَّز ابن كَيسان في المطوَّل التَّنوين وتركه، وقال: تركه أحسن.
          (وَلَا يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ) بفتح الجيم. قال ابنُ دقيق العيد: الَّذي ينبغِي أن يضمَّن «ينفعَ» معنى يمنع أو ما يقاربه، ولا يعود «منك» إلى الجدِّ على الوجه الَّذي يقال فيه: حظِّي منك كثيرٌ أو قليلٌ؛ بمعنى عنايتُك بي، أو رعايتك لي، فإن ذلك نافعٌ(5).
          قال ابن فَرحون: وإنَّما قال ذلك لأنَّ العناية من الله تعالى تنفع ولا بدَّ، وأمَّا «الجَدُّ» الثَّاني فإنَّه فاعل «ينفع»، أي: لا ينفع صاحب الحظِّ من نزولِ عذابك حظَّه، وإنَّما ينفعه عمله الصَّالح، فالألف واللَّام في «الجدِّ» الثَّاني عوضٌ عن الضَّمير، وقد سوَّغ الزَّمخشريُّ ذلك، واختاره(6) كثيرٌ من البصريين والكوفيين في نحو قوله تعالى: {فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى}[النازعات:41].
          والجمهورُ على أنَّ الجدَّ معناه: الحظُّ والغنى، أي: لا ينفع ذا الغنى(7) والحظِّ منك غناهُ وحظّه، وإنَّما ينفعه العمل الصَّالح، وقيل: أراد بالجدِّ أبا الأب وأبا الأمِّ، أي: لا ينفع أحدًا نسبُه، وضبطه بعضهم بالكسر وهو الاجتهاد، أي: لا ينفع ذا الاجتهاد منك اجتهاده، وإنَّما ينفعه رحمتك(8).
          (وَقَالَ شُعْبَةُ) بن الحجَّاج، بالسَّند المذكور (عَنْ مَنْصُورٍ) أي: ابن المعتمرِ (قَالَ: سَمِعْتُ المُسَيَّبَ) بن رافعٍ، ووصله أحمد عن محمَّد بن جعفرٍ: حدَّثنا شعبة به(9) بلفظ: أنَّ رسول الله صلعم كان إذا سلَّم قال: «لَا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لَا شرِيكَ لهُ...» الحديث.
          وحديثُ الباب سبق في «الصَّلاة» [خ¦844].


[1] «الياء»: ليست في (د).
[2] في (ص) و(ل): «أخرى».
[3] «أي»: ليست في (د).
[4] «من كل أحد»: ليست في (د).
[5] في (ب): «مانع».
[6] في (س): «وكذا اختار».
[7] في (ع): «القوة».
[8] قوله: «وقيل أراد بالجدّ... ينفعه رحمتك»: ليس في (د).
[9] «به»: ليست في (ع) و(د).