إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث

          6322- وبه قال: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ) بن البِرِنْدِ قال: (حَدَّثَنَا شُعْبَةُ) بن الحجَّاج (عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ) البُنانيِّ الأعمى (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ☺ ) أنَّه (قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلعم إِذَا دَخَلَ الخَلَاءَ) أراد دخولهُ (قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ) أستجيرُ بك، والباء في «بكَ» للإلصاق، وهو إلصاقٌ معنويٌّ؛ لأنَّه لا يلتصق(1) شيءٌ بالله ولا بصفاتهِ، لكنَّه التصاقُ تخصيصٍ(2) كأنَّه(3) خصَّ الرَّبَّ سبحانه وتعالى بالاستعاذةِ (مِنَ الخُبُـْثِ وَالخَبَائِثِ) بضم الموحدة وبالمثلثة فيهما، يريد: ذكران الشَّياطين وإناثهم، ويروى بسكون الموحدة.
          وذكر الخطَّابيُّ: التَّسكين في أغاليطِ المحدِّثين، ويراد به: الكفر، والخبائث الشَّياطين، وقيل: الخبث‼ الشَّياطين، والخبائث البولُ والغائط، استعاذَ من شرِّ الأوَّل، وضررِ الآخرين.
          وقال التُّوربشتيُّ: الخبْث _ساكن الباء_ مصدر خبث الشَّيء يخبث خبثًا، وفي إيراد الخطَّابيِّ هذا اللَّفظ في جملةِ الألفاظ الَّتي يرويها الرُّواة ملحونةَ نَظَرٌ؛ لأنَّ الخبث إذا جمع يجوزُ أن تسكَّن الباء للتَّخفيف، كما يفعل في سُبُل وسُبْل ونظائرها(4) من الجموع، وهذا الباب مستفيضٌ في كلامهم غير نادرٍ، ولا يُسمع من أحدٍ مخالفته إلَّا أن يزعمَ أنَّ ترك التَّخفيف فيه أولى؛ لئلَّا يشتبهَ بالخبْث الَّذي هو المصدر، و«من» للتَّبعيض والتَّقدير: من كيدهم وشرِّهم، أو للابتداء إذا فسِّرا(5) بذكور الجنِّ وإناثهم، وخصَّ الخلاء؛ لأنَّ الشَّياطين تحضر الأخلية لأنَّه يُهجر فيها ذكر الله تعالى، واستعاذته صلعم لإظهار العبوديَّة، وتعليم الأمَّة، وإلَّا فهو(6) صلعم معصومٌ من ذلك كلِّه.
          والحديثُ سبق في «الطَّهارة» [خ¦142].


[1] في (د): «يلصق».
[2] في (د) و(ع): «إلصاق مخصَّص».
[3] في (د): «لأنه».
[4] في (د): «ونظائرهما».
[5] في (د): «فسر هذا».
[6] في (د): «فالنبي».