إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: شرب النبي قائمًا من زمزم

          5617- وبه قال‼: (حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ) الفضل بن دُكين قال: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ) الثَّوريُّ، أو ابن عُيينة ورجَّح الأول في «الفتح» وجزمَ به المزِّي لأنَّه أشهر بصحبته، وأكثرُ رواية عنه من ابن عُيينة (عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ) عامر بنِ شَرَاحيل (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ) ☻ أنَّه (قَالَ: شَرِبَ النَّبِيُّ صلعم ) حال كونهِ (قَائِمًا مِنْ زَمْزَمَ) وقد كان صلعم طافَ على بعيرهِ ثمَّ أناخَهُ بعد طوافهِ فصلَّى ركعتين ثمَّ شربَ إذ ذاك من زمزمَ قبل أن يعودَ إلى بعيرهِ، واسْتُدِلَّ بهذه الأحاديث على جوازِ الشُّرب قائمًا وهو مذهبُ الجمهور، وكرههُ قومٌ لحديث أنسٍ عند مسلم: «أنَّ النَّبيَّ صلعم زجرَ عن الشُّرب قائمًا». وحديث أبي هريرة في مسلمٍ أيضًا: «لا يشربَنَّ أحدُكم قائمًا فمَن نسيَ فليستقئْ».
          وعند أحمد من حديثه: أنَّه صلعم رأى رجلًا يشرب / قائمًا فقال: «قه» قال: لمه؟ قال: «أيسرُّك أن يشربَ معك الهرُّ؟» قال: لا، قال: «قد شربَ معكَ مَن هو شرٌّ منه الشَّيطان» لكنَّهم حملوا النَّهي على الاستحباب، والحث على ما هو أولى وأكمل، وذلك لأنَّ في الشُّرب قائمًا ضررًا ما، فَكُرِهَ(1) من أجلهِ لأنَّه يحرِّك خلطًا يكون القيءُ دواءه(2)، وقولهُ في الحديث: «فمَن نسيَ» لا مفهوم له، بل يستحبُّ ذلك للعامد أيضًا بطريق الأولى، وقد سلكَ الأئمةُ في هذه الأحاديث مسالك؛ أحسنُها حملُ أحاديث النَّهي على كراهةِ التَّنزيه، وأحاديث الجوازِ على بيانه، وقيل: النَّهي إنَّما هو من جهةِ الطِّبِّ مخافةَ وقوعِ ضررٍ به، فإن الشُّرب قاعدًا أمكنُ وأبعدُ من السَّرف، وحصولِ وجع الكبدِ والحلق، وقد لا يأمن منه من شربَ(3) قائمًا على ما لا يخفَى.


[1] ضبطت في (د) بوجهين: المثبت، و«ضرارًا فأنكره»، وهذا الأخير هو الذي في «الفتح».
[2] في (م): «داءه».
[3] في (د): «يشرب».