إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: أن رجلًا من اليهود قال له: يا أمير المؤمنين آية في كتابكم

          45- وبه قال: (حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ) بتشديد المُوحَّدة، ابن محمَّدٍ، وللأَصيليِّ: ”البزَّار“ بزايٍ بعدها راءٌ، الواسطيُّ، المُتوفَّى ببغدادَ سنة ستِّين ومئتين أنَّه (سَمِعَ جَعْفَرَ بْنَ عَوْنٍ) أي: ابن(1) جعفرٍ المخزوميَّ، المُتوفَّى بالكوفة سنة سبعٍ ومئتين / قال: (حَدَّثَنَا أَبُو العُمَيْسِ) بضمِّ العين المُهمَلَة وفتح الميم وسكون المُثنَّاة التَّحتيَّة آخره سينٌ مهملَةٌ، الهُذَلِيُّ المسعودِيُّ الكوفيُّ، المُتوفَّى سنة عشرين ومئةٍ قال: (أَخْبَرَنَا قَيْسُ بْنُ مُسْلِمٍ) الكوفيُّ العابد، المُتوفَّى سنة عشرين ومئةٍ أيضًا (عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ) يعني: ابنَ عبد شمسٍ الصَّحابيِّ، المُتوفَّى سنة ثلاثٍ وعشرين ومئةٍ(2)، وقال المِزِّيُّ: سنة ثلاثٍ وثمانين، وقِيلَ: سنة اثنتين، وقِيلَ: سنة أربعٍ (عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ) ☺ : (أَنَّ رَجُلًا مِنَ اليَهُودِ) هو كعب الأحبار قبل أن يسلم، كما قاله الطَّبرانيُّ في «الأوسط» وغيره، كلُّهم من طريق رجاء(3) بن أبي سلمة عن عبادة(4) بن نُسَيٍّ _بضمِّ النُّون وفتح المُهمَلَة_ عن إسحاق بن خرشة عن(5) قَبيصة بن ذؤيبٍ، عن كعبٍ أنَّه (قَالَ لَهُ) أي: لعمرَ: (يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، آيَةٌ): مبتدأٌ، وساغ مع كونه نكرةً لتخصيصه بالصِّفة وهي: (فِي كِتَابِكُمْ تَقْرَؤُوْنَهَا) والخبرُ: (لَوْ عَلَيْنَا مَعْشَرَ اليَهُودِ نَزَلَتْ) أي: لو نزلت علينا كقوله: {لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ }[الإسراء:100] أي: لو تملكون أنتم؛ لأنَّ «لو» لا تدخل إلَّا على الفعل، فحُذِف الفعل لدلالة الفعل المذكور عليه، و«معشرَ»: نُصِبَ على الاختصاص، أي: أعني معشرَ اليهود (لَاتَّخَذْنَا ذَلِكَ اليَوْمَ عِيدًا) نعظِّمه في كلِّ سنةٍ، ونُسَرُّ فيه لعظم ما حصل فيه من كمال الدِّين (قَالَ) عمر ☺ : (أَيُّ آيَةٍ) هي؟ فالخبر محذوفٌ (قَالَ) كعبٌ: ({الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ }) قال البيضاويُّ: بالنَّصر والإظهار على الأديان كلِّها، أو بالتَّنصيص على قواعد العقائد، والتَّوقيف على أصول الشَّرائع وقوانين الاجتهاد ({وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي }) بالهداية والتَّوفيق، أو بإكمال الدِّين، أو بفتح مكَّة وهدم منارات الجاهليَّة ({وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ }) أي: اخترته لكم ({دِينًا }[المائدة:3]) من بين الأديان، وهو الدِّين عند الله (قَالَ) وفي رواية الأربعة: ”فقال“ (عُمَرُ) ☺ : (قَدْ عَرَفْنَا ذَلِكَ اليَوْمَ وَالمَكَانَ الَّذِي نَزَلَتْ) وفي رواية الأَصيليِّ: ”أُنزِلت“ (فِيهِ عَلَى النَّبِيِّ) وفي رواية أبي ذَرٍّ: ”على رسول الله“ ( صلعم ، وَهُوَ قَائِمٌ) أي: والحال أنَّه قائمٌ (بِعَرَفَةَ) بعدم الصَّرف للعلميَّة والتَّأنيث (يَوْمَ جُمُعَةٍ) وفي رواية أبي ذَرٍّ وأبي الوقت ونسخةٍ لابن عساكر(6): ”يوم الجمعة“ وإنَّما لم يُمنَع من الصَّرف على الأولى _كما في «عرفة»_ لأنَّ الجمعة صفةٌ، أو غير صفةٍ وليس علمًا ولو كانت علمًا؛ لامتنع صرفها، وهي بفتح الميم وضمِّها وإسكانها، فالمتحرِّك بمعنى الفاعل كضُحَكة بمعنى: ضاحكٍ، والمُسكَّن بمعنى المفعول كضُحْكةٍ، أي: مضحوكٍ عليه، وهذه قاعدةٌ كُلِّيَّةٌ، فالمعنى إمَّا جامعٌ للنَّاس أو مجموعٌ له، وإنَّما لم يقل عمرُ ☺ : جعلناه عيدًا ليطابق جوابه السُّؤال؛ لأنَّه ثبت في الصَّحيح أنَّ النُّزول كان بعد العصر، ولا يتحقَّق العيد إلَّا من أوَّل النَّهار، وقد قالوا: إنَّ رؤية الهلال بعد الزَّوال للقابلة، ولا ريب أنَّ اليوم التَّالي ليوم عرفة عيدٌ للمسلمين، فكأنَّه قال: جعلناه عيدًا بعد إدراكنا استحقاق ذلك اليوم للتَّعبُّد فيه(7)، وقال الحافظ ابن حجرٍ: وعندي أنَّ هذه الرِّواية اكتفى فيها بالإشارة، وإلَّا فرواية إسحاق عن(8) قبيصةَ قد نصَّت على المُرَاد، ولفظه: «يوم جمعة ويوم عرفة، وكلاهما _بحمد الله سبحانه_ لنا عيدٌ»، وللطَّبرانيِّ: «وهما لنا عيدٌ» فظهر أنَّ الجواب تضمَّن أنَّهم اتَّخذوا ذلك اليوم عيدًا وهو يوم الجمعة، واتَّخذوا يوم عرفة عيدًا لأنَّه ليلة العيد. انتهى. وقال النَّوويُّ: قد اجتمع في ذلك اليوم فضيلتان وشرفان، ومعلومٌ تعظيمنا لكلٍّ منهما، فإذا اجتمعا؛ زاد التعظيم، فقد اتَّخذنا ذلك اليوم عيدًا وعظَّمنا مكانه.
          وفي رجال هذا الحديث ثلاثةٌ كوفيُّون، ورواية صحابيٍّ عن صحابيٍّ، والتَّحديث والإخبار والعنعنة، وأخرجه المؤلِّف في «المغازي» [خ¦4407] و«التَّفسير» [خ¦4606] و«الاعتصام» [خ¦7268]، ومسلمٌ، والتِّرمذيُّ وقال: حسنٌ صحيحٌ، وكذا النَّسائيُّ في «الإيمان» و«الحجِّ».


[1] زيد في (ب) و(س): «أبي»، وهو خطأ.
[2] هذا القول منقول عن يحيى بن معين، ونبَّه العلماء على وهمه فيه، انظر «تهذيب الكمال»(13/341).
[3] في (م): «جابر»، وليس بصحيحٍ.
[4] في (ل) و(م): «عباد»، وليس بصحيحٍ.
[5] قوله: «خرشة عن» زيادة من «الفتح» و«تفسير الطبري».
[6] في (م): «للأصيلي»، وليس بصحيحٍ.
[7] في (م): «به».
[8] في الأصول: «بن»، والتصحيح من الفتح وتفسير الطبري.