إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: بايعنا النبي فقرأ علي {أن لا يشركن بالله شيئًا}

          7215- وبه قال: (حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ) هو ابن مُسَرْهَدٍ بن مسربلٍ الأسديُّ(1) البصريُّ الحافظ، أبو الحسن قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ) بن سعيدٍ التَّميميُّ(2) مولاهم، البصريُّ التَّنُّوريُّ (عَنْ أَيُّوبَ) بن أبي تميمة السَّخْتِيَانيِّ (عَنْ حَفْصَةَ) بنت سيرين، أمِّ الهذيل البصريَّة الفقيهة (عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ) نُسَيْبة؛ بنونٍ مضمومةٍ وسين مهملةٍ وبعد التَّحتيَّة السَّاكنة موحَّدةٌ، مصغَّرًا، بنت الحارث الأنصاريَّة أنَّها (قَالَتْ: بَايَعْنَا) بسكون العين (النَّبِيَّ صلعم فَقَرَأَ عَلَيَّ) _بتشديد الياء، ولأبي ذرٍّ عن الكُشْمِيهَنيِّ: ”علينا“ بلفظ الجمع_ قوله تعالى في سورة الممتحنة: ({أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئًا}[الممتحنة:12] وَنَهَانَا عَنِ النِّيَاحَةِ) على الميِّت (فَقَبَضَتِ امْرَأَةٌ) لم تُسمَّ، أو هي أمُّ عطيَّة أبهمت نفسها (مِنَّا) من المبايِعات (يَدَهَا) عن المبايعة، فيه إشعارٌ بأنَّهنَّ كنَّ يبايعن بأيديهنَّ، لكن لا يلزم من مدِّ اليد المصافحة؛ فيُحتمَل أن يكون بحائلٍ من ثوبٍ ونحوه كما مرَّ، أو المراد بقبض اليد: التَّأخُّر عن القبول (فَقَالَتْ): يا رسول الله (فُلَانَةُ) لم تُسمَّ (أَسْعَدَتْنِي)‼ أي: أقامت معي في نياحةٍ على ميِّتٍ لي تراسلني (وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَجْزِيَهَا) بفتح الهمزة وسكون الجيم بعدها: أن(3) أكافئها على إسعادها (فَلَمْ يَقُلْ صلعم لَهَا شَيْئًا) بل سكت (فَذَهَبَتْ ثُمَّ رَجَعَتْ) قيل: إنَّما سكت ╕ ؛ لأنَّه عرف أنَّه ليس من جنس النِّياحة المحرَّمة، أو ما التفت إلى كلامها؛ حيث بيَّن حكم النِّياحة لهنَّ، أو كان جوازها من خصائصها، وعند النَّسائيِّ في رواية أيُّوب: فأذهب فأُسعدها، ثم أجيئك فأُبايعك، قال: «اذهبي فأسعديها»، قالت: فذهبتُ فأسعدتها، ثمَّ جئتُ فبايعته، قال النَّوويُّ: وهذا محمولٌ على التَّرخيص لأمِّ عطيَّة خاصَّةً، وللشَّارع أن يخصَّ من العموم ما شاء. انتهى. وأُورد عليه غير أمِّ عطيَّة؛ كما سبق في «تفسير سورة الممتحنة»، فلا خصوصيَّة لأمِّ عطيَّة، واستدلَّ به بعض المالكيَّة على أنَّ النِّياحة ليست حرامًا، وإنَّما المحرُّم(4) ما كان معه شيءٌ من أفعال الجاهليَّة؛ من نحو شقِّ جيبٍ وخمش وجهٍ، وفي المسألة أقوالٌ: منها أنَّه كان قبل التَّحريم، ومنها: قوله في الرواية الأخرى: «إلا آل فلان» فليس فيه نصٌّ على أنَّها تساعدهم بالنياحة، فيمكن أن تساعدهم بنحو البكاء الذي لا نياحة معه، وأقرب الأجوبة: أنَّها كانت مباحةً، ثمَّ كُرِهت كراهة تنزيهٍ، ثمَّ كراهة تحريم، قالت أمُّ عطيَّة: (فَمَا وَفَتِ امْرَأَةٌ) _بتخفيف الفاء_ بترك النَّوح ممَّن بايع معي (إِلَّا أُمُّ سُلَيْمٍ) بنت ملحان والدة أنسٍ (وَأُمُّ العَلَاءِ) امرأةٌ من الأنصار المبايعات، قاله ابن عبد البرِّ، ونسبها غيره فقال: بنت الحارث بن ثابت بن خارجة بن ثعلبة (وابْنَةُ(5) أَبِي سَبْرَةَ) بفتح السِّين المهملة وسكون الباء(6) الموحَّدة (امْرَأَةُ مُعَاذٍ) أي: ابن جبلٍ (أَوِ ابْنَةُ أَبِي سَبْرَةَ(7) وَامْرَأَةُ مُعَاذٍ) بواو العطف، وفي «باب(8) ما ينهى من النَّوح والبكاء» في(9) «كتاب الجنائز» [خ¦1306] فما وفتِ منَّا امرأةٌ غير خمس نسوةٍ: أمِّ سُلَيمٍ وأمِّ العلاء وابنة أبي سَبْرة امرأة معاذٍ، وامرأتين، أو بنت أبي سَبْرة وامرأة معاذٍ وامرأةٍ أخرى، والشَّكُّ من الرَّاوي؛ هل ابنة أبي سبرة هي امرأة معاذٍ أو هي غيرها؟ قال في «الفتح»: والذي يظهر لي أنَّ الرِّواية بواو العطف أصحُّ؛ لأنَّ امرأة معاذٍ هي أمُّ عمرو بنت خلَّاد بن عمرو السُّلَّميَّة، ذكرها ابن سعدٍ، فعلى هذا فابنة أبي سَبْرة غيرها، وفي «الدَّلائل» لأبي موسى من طريق حفصة: عن أمِّ عطيَّة وأمِّ معاذ بنت أبي سَبْرة، وفي رواية ابن عون عن ابن سيرين عن أمِّ عطيَّة: فما وفتْ غير أمِّ سليمٍ وأمِّ كلثوم وامرأة معاذ بنت(10) أبي سبرة، كذا فيه، والصَّواب ما في «الصَّحيح»: امرأةُ معاذ وبنت(11) أبي سبرة، ولعلَّ بنت أبي سَبْرة يقال لها: أمُّ كلثوم، وإن كانت الرِّواية التي فيها «أمُّ معاذٍ» محفوظةً؛ فلعلَّها أمُّ معاذ‼ بن جبل؛ وهي هند بنت سهلٍ الجهنيَّة، ذكرها ابن سعدٍ أيضًا، وعُرِف بمجموع هذه النِّسوة الخمس المذكورات في «الجنائز» [خ¦1306] وهنَّ(12): أمُّ سُليمٍ، وأمُّ العلاء، وأمُّ كلثوم، وأمُّ عمرٍو، وهند إن كانت الرِّواية محفوظةً، وإلَّا؛ فالخامسة أمُّ عطيَّة؛ كما في «الطَّبرانيِّ» من طريق عاصمٍ عن حفصة عن أمِّ عطيَّة: فما وفت غيري وغيرُ أمِّ سُليمٍ، لكن أخرج إسحاق بن رَاهُوْيَه في «مسنده» من طريق هشام بن حسَّان عن حفصة عن أمِّ عطيَّة قالت: كان فيما / أُخِذ علينا ألَّا ننوح... الحديث، وفي آخره: وكانت لا تعدُّ نفسها؛ لأنَّها(13) لما كان(14) يوم الحرَّة؛ لم تزلِ النِّساء بها حتَّى قامت معهنَّ، فكانت لا تعدُّ نفسها لذلك، ففيه ردٌّ للسَّابق(15)، ويُجمَع بأنَّها تركت عدَّ نفسها من يوم الحرَّة.


[1] في (د): «الأزدي»، وليس بصحيحٍ.
[2] في (د): «التَّيميُّ»، وهو تحريفٌ.
[3] في (د): «أي».
[4] زيد في (د): «الحرام».
[5] في (د) و(ع): «أو».
[6] «الباء»: مثبتٌ من (د).
[7] قوله: «امْرَأَةُ مُعَاذٍ أي: ابن جبلٍ، أَوِ ابْنَةُ أَبِي سَبْرَةَ» سقط من (د).
[8] «باب»: ليس في (ب).
[9] في (د): «من».
[10] في غير (د): «بن»، ولعلَّ المثبت هو الصَّواب.
[11] في (د): «بنت».
[12] في (د): «وهي».
[13] في (ب): «إلَّا أنَّه»، وفي (س): «لأنَّه».
[14] في (د): «لأنها كانت».
[15] في (ص): «للسِّياق».