إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: إنكم ستحرصون على الإمارة

          7148- وبه قال: (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ ابْنُ يُونُسَ) نسبه لجدِّه، واسم أبيه: عبد الله قال: (حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ) محمَّد بن عبد الرَّحمن المدنيُّ (عَنْ سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ) بضمِّ الموحَّدة (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) ☺ (عَنِ النَّبِيِّ صلعم ) أنَّه (قَالَ: إِنَّكُمْ سَتَحْرَِصُونَ(1)) بكسر الرَّاء وفتحها (عَلَى الإِمَارَةِ) الإمامة العظمى، أو الولاية بطريق النِّيابة (وَسَتَكُونُ نَدَامَةً) لمن لم يعمل فيها بما ينبغي (يَوْمَ القِيَامَةِ) وفي حديث عوف بن مالكٍ عند البزَّار والطَّبرانيِّ بسندٍ صحيحٍ: «أوَّلها ملامةٌ، وثانيها ندامةٌ، وثالثها عذابٌ يوم القيامة إلَّا من عدل»، وعن أبي هريرة في «أوسط الطَّبرانيِّ»: «الإمارة أوَّلها ندامةٌ، وأوسطها غرامةٌ، وآخرها عذابٌ يوم القيامة» (فَنِعْمَ المُرْضِعَةُ) الولاية؛ فإنَّها تدرُّ عليه(2) المنافع واللَّذَّات العاجلة (وَبِئْسَتِ الفَاطِمَةُ) عند انفصاله عنها بموتٍ أو غيره‼؛ فإنَّها تقطع عنه تلك اللَّذائذ والمنافع وتُبقي عليه الحسرة والتَّبعة(3)، وأُلحِقَت «التَّاء» في «بئست» دون «نِعْمَ»، والحكمُ فيهما إذا كان فاعلهما مؤنَّثًا جوازُ الإلحاق وتركه، فوقع التَّفنُّن في هذا الحديث بحسب ذلك، وقال في «المصابيح»: شبَّه على سبيل الاستعارة ما يحصل من نفع الولاية حال ملابستها بالرَّضاع، وشبَّه بالفطام انقطاعَ ذلك عنه(4) عند الانفصال عنها، إمَّا بموتٍ أو بغيره(5)، فالاستعارة في المرضِعة والفاطِمة تبعيَّةٌ، فإن قلت: هل من لطيفةٍ تُتلمَّح(6) في(7) ترك التَّاء من فعل المدح وإثباتها مع فعل الذَّم؟ قلت(8): رضاعها هو أحبُّ حالتَيها إلى النَّفس، وفطامها أشقُّ الحالتين على النَّفس، والتَّأنيث أخفض حالتَي الفعل، وتركه أشرف حالتَيهِ؛ إذ هي حالة التَّذكير، وهو أشرف من التَّأنيث؛ فآثر استعمال أشرف حالتي الفعل مع الحالة المحبوبة التي هي أشرف حالتي الولاية، واستعمل الحالة الأخرى _وهي التَّأنيث_ مع الحالة الشَّاقَّة على النَّفس؛ وهي حالة الفطام عن الولاية؛ لمكان المناسبة في المحلَّين، فهذا أمرٌ قد يُتخيَّل في هذا المقام، فتأمَّله. انتهى. وقال في «شرح المشكاة»: إنَّما لم(9) يُلحِقِ التَّاء بـ «نِعْمَ» لأنَّ المرضِعة مستعارةٌ للإمارة، وهي وإن كانت مؤنَّثةً إلَّا أن تأنيثها غير حقيقيٍّ، وألحقها بـ «بئس» نظرًا إلى كون الإمارة حينئذٍ داهيةً دَهْياء(10)، وفيه أنَّ ما يناله(11) الأمير من البأساء والضَّراء أبلغ وأشدُّ ممَّا يناله من النَّعماء والسَّرَّاء، وإنَّما أُتي بالتَّاء في المرضع والفاطم دلالةً على تصوير تينِك(12) الحالتين المتجدِّدتين(13) في الإرضاع والإفطام، فعلى العاقل ألَّا يلمَّ(14) بلذَّةٍ تتبعها حسراتٌ، وفي حديث أبي هريرة عند التِّرمذيِّ _وقال: حديثٌ غريبٌ_: أنَّ النَّبيَّ صلعم قال:«من وُلِّيَ القضاء، أو جُعِلَ قاضيًا بين النَّاس؛ فقد ذُبِحَ بغير سكِّينٍ» والذَّبح إذا كان بغير سكِّينٍ؛ فإنَّ(15) فيه زيادة تعذيبٍ للمذبوح، بخلاف الذَّبح بالسِّكِّين؛ ففيه إراحةٌ(16) له بتعجيل إزهاق الرُّوح، وقيل: إنَّ الذَّبح لمَّا كان في العُرف بالسِّكِّين؛ عدل صلعم إلى غيره؛ ليعلم أنَّ المراد: ما يُخاف عليه من هلاك دينه دون بدنه؛ قال التُّوربشتيُّ: وشتَّان ما بين الذَّبحين! فإنَّ الذَّبح بالسِّكِّين عناءُ ساعةٍ، والآخر عناء عمره، أوِ المراد: أنَّه ينبغي أن يُميت(17) جميع دواعيه الخبيثة وشهواته الرَّديئة؛ فهو مذبوحٌ بغير سكِّينٍ، وعلى هذا فالقضاء(18) / مرغوبٌ فيه، وعلى ما قبله فالمراد التَّحذير منه، قال المظهريُّ: خطر القضاء كثيرٌ، وضرره عظيمٌ؛ لأنَّه قلَّما عدل القاضي بين الخصمين؛ لأنَّ النَّفس مائلةٌ إلى من(19) تحبُّه أو من له منصبٌ يتوقَّع جاهه أو يخاف سلطنته، وربَّما يميل إلى قبول الرَّشوة وهذا(20) الدَّاء العضال، وما أحسن قول ابن الفضل في هذا‼ المعنى:
ولمَّا أن تولَّيتَ القضايا                     وفاض الجَور من كفَّيكَ فيضا
ذُبِحْتَ بغير سكِّينٍ وإنَّا                     لَنرجو الذَّبح بالسِّكِّينِ أيضا
والحديث أخرجه النَّسائيُّ في«البيعة»، و«السِّير»(21)، و«القضاء».
          قال البخاريُّ بالسَّند السَّابق(22) أوَّل هذا التَّعليق إليه:
          (وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ) بالموحَّدة والشِّين المعجمة المشدَّدة(23)، وهو المعروف ببندارٍ: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ حُمْرَانَ) بضمِّ الحاء المهملة وسكون الميم بعدها راء فألفٌ(24)، الأمويُّ مولاهم البصريُّ(25) قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الحَمِيدِ بنُ جَعْفَرٍ) بن عبد الله بن الحكم بن رافعٍ الأنصاريُّ المدنيُّ، وسقط «ابن جعفر» لغير أبي ذرٍّ (عَنْ سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الحَكَمِ) بضمِّ عين الأوَّل، وبفتح المهملة والكاف في الثَّاني، ابن ثوبان المدنيِّ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) ☺ (قَوْلَهُ) أي: موقوفًا عليه، وقد أُدخِل عمر بن الحكم بين(26) سعيدٍ المقبُريِّ وأبي هريرة بخلاف الطَّريق السَّابقة(27).


[1] في (ص): «تحرصون».
[2] في (د): «عليها»، وليس بصحيحٍ.
[3] في (د): «المشقة».
[4] في غير (ب) و(س): «عنها»، ولعلَّ المثبت هو الصَّواب.
[5] في (د): «غيره».
[6] في (ب) و(س): «تلمح».
[7] في (ع): «من».
[8] في (د): «أجيب بأن».
[9] «لم»: سقط من (د).
[10] في (ب):«ذاهبة»، وليس فيه «دهياء»، وهو تصحيفٌ.
[11] في (ع): «يتناوله».
[12] في (د): «تلك».
[13] في (ص): «المتَّحدتين».
[14] في (د): «يفرح»، وفي (ع): «يلتذُّ».
[15] «فإنَّ» مثبتٌ من (ص) و(ع).
[16] في (د): «راحةٌ».
[17] في (د) و(ع): «يموت»، وفي (ص): «تموت».
[18] في (ع): «فالقياس».
[19] في (د): «ما».
[20] وفي (ص) و(ع): «وهو».
[21] في (ص): «والسُّنن»، وهو تحريفٌ.
[22] في (ع): «الأول».
[23] «المشدَّدة»: سقط من (د).
[24] «فألفٌ»: ليس في (د).
[25] في (د): «المصريُّ»، وهو تحريفٌ.
[26] في (د): «بن»، وهو تحريفٌ.
[27] في (د): «السابق».