إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: إن هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلا كبه الله على وجهه

          7139- وبه قال: (حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ) الحَكَم بن نافعٍ قال: (أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ) هو ابن أبي حمزة (عَنِ الزُّهْرِيِّ) محمَّد بن مسلم(1) بن شهابٍ أنَّه (قَالَ: كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ) بضمِّ الميم وكسر العين بينهما طاءٌ مهملةٌ ساكنةٌ، القرشيُّ (يُحَدِّثُ: أَنَّهُ بَلَغَ مُعَاوِيَةَ) بن أبي سفيان (وَهْوَ عِنْدَهُ) أي: والحال أنَّ محمَّد بن جبيرٍ عند معاوية، ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي: ”وهم عنده“ بالميم بدل الواو (فِي وَفْدٍ مِنْ قُرَيْشٍ) أي: محمَّد بن جبيرٍ ومن كان معه من الوفد الذين أرسلهم أهل المدينة إلى معاوية ليبايعوه، وذلك حين بويع له بالخلافة لمَّا سلَّم له الحسن بن عليِّ بن أبي طالبٍ ☻ ، قال الحافظ ابن حجرٍ: لم أقف على اسم الذي بلَّغه ولا على اسم(2) الوفد (أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو) بفتح العين، ابن العاص، وهو في موضع رفع(3) فاعل «بلغ»، وقوله: (يُحَدِّثُ: أَنَّهُ) أي: الشَّأن (سَيَكُونُ مَلِكٌ مِنْ قَحْطَانَ، فَغَضِبَ) معاوية من ذلك (فَقَامَ) خطيبًا (فَأَثْنَى عَلَى اللهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ؛ فَإِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ رِجَالًا مِنْكُمْ يُحَدِّثُونَ) ولأبي ذرٍّ عن الكُشْمِيهَنيِّ: ”يَتَحدَّثون“ بزيادة فوقيَّةٍ بعد التَّحتيَّة المفتوحة (أَحَادِيثَ) جمع حديث على غير قياسٍ، قال الفرَّاء: نرى أنَّ واحد الأحاديث أُحدوثة، ثمَّ جعلوه جمعًا للحديث (لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللهِ، وَلَا تُؤْثَرُ) بضمِّ أوَّله مبنيًّا للمفعول: ولا تُنْقَل (عَنْ رَسُولِ اللهِ صلعم ) والمراد بكتاب الله: القرآن وهو كذلك؛ فليس فيه تنصيصٌ على أنَّ شخصًا بعينه أو بوصفه يتولَّى الملك في هذه الأمَّة المحمَّديَّة، ولم يصرِّح بذكر ابن عمرٍو، بل قال: بلغني أنَّ رجالًا منكم على الإبهام، ومراده: عبد الله بن عمرٍو ومن وقع منه التَّحديث بذلك؛ مراعاةً لخاطر عمرٍو (وَأُولَئِكَ) الذين يتحدَّثون بأمور الغيب من غير استنادٍ إلى الكتاب والسُّنَّة (جُهَّالُكُمْ) بضمِّ الجيم وتشديد الهاء، جمع جاهل (فَإِيَّاكُمْ وَالأَمَانِيَّ) بتشديد التَّحتيَّة وتُخفَّف(4): احذروا الأمانيَّ (الَّتِي تُضِلُّ أَهْلَهَا) _بضمِّ الفوقيَّة وكسر الضَّاد المعجمة، و«أهلها» نصبٌ على المفعوليَّة_ صفةٌ للأمانيِّ (فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلعم يَقُولُ: إِنَّ هَذَا الأَمْرَ) أي: الخلافة (فِي قُرَيْشٍ، لَا يُعَادِيهِمْ أَحَدٌ إِلَّا كَبَّهُ اللَّهُ(5) عَلَى وَجْهِهِ) أي: ألقاه، ولأبي ذرٍّ: ”في النَّار على وجهه“ أي: ألقاه فيها، وهو من الغرائب؛ إذ «أكبَّ» لازمٌ‼ و«كبَّ» متعدٍّ، عكس المشهور؛ والمعنى: لا ينازعهم في أمر الخلافة أحدٌ إلَّا كان مقهورًا في الدُّنيا، معذَّبًا في الآخرة (مَا أَقَامُوا الدِّينَ) «ما» مصدريَّةٌ، والوقت مقدَّرٌ، وهو متعلِّقٌ بقوله: «كبَّه الله» أي: مدَّة إقامتهم / أمور الدِّين، فإذا لم يقيموه؛ خرج الأمر عنهم، هذا مفهومه، وذكر محمَّد بن إسحاق في كتابه الكبير قصَّة سقيفة بني ساعدة وبيعة أبي بكر، وفيها: فقال أبو بكرٍ: وإنَّ هذا الأمر في قريشٍ ما أطاعوا الله واستقاموا على أمره، ومن ثَمَّ لما استخفَّ الخلفاء بأمر الدِّين؛ تلاشت أحوالهم؛ بحيث لم يبقَ لهم من الخلافة إلَّا الاسم، فلا حول ولا وقوَّة إلَّا بالله، وقول السَّفاقسيِّ: «أجمعوا أنَّ الخليفة إذا دعا إلى كفرٍ أو(6) بدعةٍ؛ يقام عليه» تُعُقِّب بأنَّ المأمون والمعتصم والواثق كلٌّ منهم دعا إلى بدعة القول بخلق القرآن، وعاقبوا العلماء بسبب ذلك بالضَّرب والقتل والحبس وغيرها(7)، ولم يقل أحدٌ(8) بوجوب الخروج عليهم بسبب ذلك.
          تنبيه: سبق في «باب تغيير(9) الزَّمان حتَّى يعبدوا(10) الأوثان» [خ¦7117] حديث أبي هريرة مرفوعًا: «لا تقوم السَّاعة حتَّى يخرج رجلٌ من قحطان يسوق النَّاس بعصاه»، وفيه إشارةٌ إلى أنَّ مُلْكَ القحطانيِّ يقع في آخر الزَّمان عند قبض أهل(11) الإيمان، فإن كان حديث عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعًا موافقًا لحديث أبي هريرة؛ فلا معنى لإنكاره أصلًا، وإن كان لم يرفعه، وكان فيه قدرٌ زائدٌ يُشعِر بأنَّ القحطانيَّ يكون في أوائل الإسلام؛ فهو معذورٌ في إنكاره، وقد يكون معناه: أنَّ قحطانيًّا يخرج(12) في ناحيةٍ من النَّواحي، فلا يعارض حديث معاوية، قاله في «فتح الباري».
          (تَابَعَهُ) أي: تابع شعيبًا (نُعَيْمٌ) هو ابن حمَّادٍ (عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ) عبد الله (عَنْ مَعْمَرٍ) بفتح الميمين بينهما عينٌ مهملةٌ ساكنةٌ، ابن راشدٍ (عَنِ الزُّهْرِيِّ) محمَّد بن مسلمٍ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ) وهذه المتابعة وصلها الطَّبرانيُّ في «معجمه الكبير» و«الأوسط» مثل(13) رواية شعيبٍ إلَّا أنَّه قال بعد قوله: «فغضب»: فقال: «سمعت»، ولم يذكر ما قبل «سمعت»، وقال: في روايةٍ: ”كُبَّ على وجهه“ بضمِّ الكاف؛ وإنَّما ذكرها البخاريُّ ☼ تقويةً لصحَّة رواية الزُّهريِّ عن محمَّد بن جبيرٍ؛ حيث قال: «كان محمَّد بن جبيرٍ»، فقد قال صالح جَزَرة الحافظ: لم يقل أحدٌ في روايته عنِ الزُّهريِّ عن محمَّد بن جبيرٍ إلَّا ما وقع في رواية نُعيم بن(14) حمَّادٍ عن عبد الله بن المبارك، قال صالحٌ: ولا أصل له من حديث ابن المبارك، وكانت عادة الزُّهريِّ إذا لم يسمعِ الحديث يقول: كان فلانٌ يحدِّثُ، وتعقَّبه البيهقيُّ بما أخرجه من طريق يعقوب بن سفيان عن حجَّاج بن أبي منيعٍ(15) الرُّصافيِّ عن جدِّه عن الزُّهريِّ عن محمَّد بن جبير بن مُطعِمٍ، وأخرجه الحسن بن رُشَيقٍ في «فوائده» من طريق عبد الله بن وهبٍ عن ابن(16) لهيعة عن عُقيلٍ عن الزُّهريِّ عن محمَّد بن جبيرٍ‼، قاله في «الفتح».


[1] «بن مسلم»: سقط من (د).
[2] في (ب) و(س): «أسماء».
[3] في غير (ب) و(س): «نصب».
[4] في (د): «وتخفيفها».
[5] زيد في (ع): «في النار»، وسيأتي.
[6] في (د) و(ع): «و».
[7] في (ب) و(س): «وغير ذلك».
[8] زيد في (ع): «منهم».
[9] في (ب) و(س): «تغيُّر».
[10] في غير (د): «تعبد».
[11] «أهل»: سقط من (د).
[12] «يخرج»: سقط من (د).
[13] في (د) و(ع): «من».
[14] في (د) و(س): «عن»، وهو تحريفٌ.
[15] في سائر النُّسخ: «معين»، والمثبت موافقٌ لما في كتب التَّراجم.
[16] في (د): «أبي»، وهو تحريفٌ.