إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: لا يزال الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان

          7140- وبه قال: (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ ابْنُ يُونُسَ) هو أحمد بن عبد الله بن يونس اليربوعيُّ الكوفيُّ قال: (حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ) قال: (سَمِعْتُ أَبِي) محمَّد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطَّاب (يَقُولُ: قَالَ) جدِّي (ابْنُ عُمَرَ) ☺ : (قَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم : لَا يَزَالُ هَذَا الأَمْرُ) أي: الخلافة (فِي قُرَيْشٍ) يَلُونها (مَا بَقِيَ مِنْهُمُ اثْنَانِ) قال النَّوويُّ: في الحديث أنَّ الخلافة مختصَّةٌ بقريشٍ، لا يجوز عقدها لغيرهم، وعلى هذا انعقد الإجماع في زمن الصَّحابة ومن بعدهم، ومن خالف في ذلك من أهل البدع؛ فهو محجوجٌ بإجماع الصَّحابة، قال ابن المُنَيِّر: وجه الدَّلالة من الحديث ليس من جهة تخصيص قريشٍ بالذِّكر، فإنَّه يكون مفهوم اللَّقب لا(1) حجَّة فيه عند المحقِّقين، وإنَّما الحجَّة(2) وقوع المبتدأ معرَّفًا باللَّام الجنسيَّة؛ لأنَّ المبتدأ بالحقيقة ههنا هو «الأمر» الواقع صفةً لهذا و«هذا» لا يُوصف إلَّا بالجنس، فمقتضاه حصر جنس الأمر في قريشٍ، فكأنَّه(3) قال: لا أمر إلَّا في قريشٍ؛ وهو كقوله: «الشُّفعة فيما لم يُقسَم»، والحديث وإن كان بلفظ الخبر؛ فهو بمعنى الأمر، كأنَّه قال: ائتمُّوا بقريشٍ خاصَّةً، وقوله: «ما بقي منهم اثنان» ليس المراد به حقيقة العدد، وإنَّما المرادُ به انتفاء أن يكون الأمر في غير قريشٍ، وهذا الحكمُ مستمرٌّ إلى يوم القيامة ما بقي من النَّاس اثنان، وقد ظهر ما قاله رسول الله(4) صلعم ، فمن زمنه إلى الآن لم تزل الخلافة في قريشٍ من غير مزاحمةٍ لهم على ذلك، ومن تغلَّب على الملك بطريق الشَّوكة لا يُنكِر أنَّ الخلافة في قريشٍ، وإنَّما يدَّعي أنَّ ذلك بطريق النِّيابة عنهم. انتهى. ويحتمل أن يكون بقاء الأمر في قريش في بعض الأقطار دون بعضٍ، فإنَّ في البلاد اليمنيَّة طائفةً من ذُرِّيَّة الحسن بن عليٍّ لم تزل مملَكَةُ(5) اليمن(6) معهم من أواخر المئة الثَّالثة، وأمراء مكَّة من ذُرِّيَّة الحسن بن عليٍّ، والينبع والمدينة من ذُرِّيَّة الحسين بن / عليٍّ، وإن كانوا من صميم(7) قريشٍ، لكنَّهم تحت حكم غيرهم من ملوك مصر، قال الحافظ(8) ابن حجرٍ: ولا شكَّ في كون الخليفة بمصر قرشيًّا من ذُرِّيَّة العبَّاس، ولو فُقِدَ قرشيٌّ فكنانيٌّ، ثمَّ رجلٌ من بني إسماعيل، ثمَّ عجميٌّ على ما في «التَّهذيب»، أو جرهميٌّ على ما في «التَّتمَّة»، ثم رجلٌ من بني إسحاق، وأن يكون شجاعًا؛ ليغزو بنفسه، ويعالج الجيوش، ويقوى على فتح البلاد، ويحمي البيضة، وأن يكون أهلًا للقضاء بأن يكون مسلمًا مكلَّفًا حرًّا عدلًا ذَكَرًا مجتهدًا ذا رأي وسمعٍ وبصرٍ ونطقٍ، وتنعقد الإمامة ببيعة أهل العقد والحلِّ من العلماء ووجوه النَّاس المتيسِّر اجتماعهم، وباستخلاف الإمام من يعيِّنه في حياته، ويشترط القبول في حياته؛ ليكون خليفةً بعد موته، وباستيلاء متغلِّبٍ على الإمامة ولو غير أهلٍ لها؛ كصبيٍّ وامرأةٍ بأن قهر النَّاسَ بشوكته وجنده؛ وذلك لينتظم شمل المسلمين.
          والحديث سبق في «المناقب(9)» [خ¦3501]، وأخرجه مسلمٌ(10) في «المغازي».


[1] في (د): «لقبٍ ولا».
[2] قوله: «قريشٍ بالذِّكر، فإنَّه يكون... عند المحقِّقين، وإنَّما الحجَّة» سقط من (ع).
[3] في (ب) و(س): «فيصير كأنه»، وفي (د): «كأنَّه».
[4] «رسول الله»: ليس في (ص) و(ع).
[5] في (ص): «لم يزل ملكه».
[6] في (د): «تلك البلاد»، و«اليمن»: مثبتٌ من (ع).
[7] في (ع): «سهم».
[8] «الحافظ»: مثبت من (ب) و(س).
[9] في (د) و(ص): «المواهب»، وليس بصحيحٍ.
[10] «وأخرجه مسلم»: سقط من (د).