إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: بينا أنا نائم رأيت أنه وضع في يدي سواران من ذهب

          7033- 7034- وبه قال: (حَدَّثَنِي) بالإفراد ولأبي ذرٍّ: ”حَدَّثنا“ (سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَبُو عَبْدِ اللهِ الجَرْمِيُّ) بفتح الجيم وسكون الراء الكوفيُّ، وثبت: ”أبو عبد الله الجرميُّ“ لأبي ذرٍّ، قال: (حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ) قال: (حَدَّثَنَا / أَبِي) إبراهيمُ بنُ سعدِ بنِ إبراهيم بنِ عبدِ الرَّحمن بنِ عوف (عَنْ صَالِحٍ) هو: ابنُ كيسان (عَنِ ابْنِ عُبَيْدَةَ) بضم العين، اسمه: عبدُ الله (بْنِ نَشِيطٍ) بفتح النون وكسر المعجمة وبعد التحتية الساكنة طاء مهملة، وللكُشمِيهنيِّ: ”عن أبي عُبيدة“ بلفظ الكنية. قال في «الفتح»: والصَّواب: ابن (قَالَ: قَالَ عُبَيْدُ اللهِ) بضم العين (بْنُ عَبْدِ اللهِ) بن عتبةِ بن مسعود (سَأَلْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ ☻ عَنْ رُؤْيَا رَسُولِ اللهِ صلعم الَّتِي ذَكَرَ) ولأبي ذرٍّ: ”ذُكِر(1)“ مبنيًّا للمفعول. (فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ذُكِرَ لِي) بضم أوَّله مبنيًّا للمفعول، وعدمُ ذكر الصَّحابيِّ غير قادحٍ للاتِّفاق على عدالةِ الصَّحابة كلهم، وفي...(2)، وقد ظنَّ(3) أنَّ المبهم هنا أبو هريرة ولفظه: قال ابن عبَّاس: فأخبرنِي أبو هُريرة (أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم قَالَ: بَيْنَا) بغير ميم (أَنَا نَائِمٌ) وجواب «بينا» قولهُ: (رَأَيْتُ) ولأبي ذرٍّ: ”أُريت“ بتقديم الهمزة على الراء وضمِّها (أَنَّهُ وُضِعَ) بضم الواو (فِي يَدَيَّ) بالتَّثنية (سِوَارَانِ مِنْ ذَهَبٍ) ولأبي ذرٍّ: ”إسواران“ بهمزة مكسورة قبل السين (فَفُـَظِعْتُهُمَا) بفاء العطف ثمَّ فاء أخرى مضمومة وتفتح وكسر الظاء المعجمة المشالة، استعظمتُ أمرهما (وَكَرِهْتُهُمَا) لكون الذَّهب من حليةِ النِّساء وممَّا حُرِّم على الرِّجال. وقال بعضهم: من رأى عليه سِوارين من ذهبٍ أصابَه ضيقٌ في ذاتِ يده، فإن كانا من فضَّةٍ فهو خيرٌ من الذَّهب، وليس(4) يصلحُ للرِّجال في المنامِ من الحليِّ إلَّا التَّاج والقلادة والعقد والخاتم (فَأُذِنَ لِي) بضم الهمزة وكسر المعجمة، أن أنفخ السِّوارين (فَنَفَخْتُهُمَا فَطَارَا، فَأَوَّلْتُهُمَا كَذَّابَيْنِ يَخْرُجَانِ) أي: تظهرُ شوكتهمَا ومحاربتهما (فَقَالَ عُبَيْدُ اللهِ) بن عبد الله المذكور في السَّند: (أَحَدُهُمَا العَنْسِيُّ) بفتح العين وكسر السين المهملتين بينهما نون ساكنة، واسمُه الأسودُ الصَّنعانيُّ، وكان يُقال له: ذو الحمار؛ لأنَّه علَّم حمارًا إذا قال له: اسجدْ، يخفضُ رأسه، وهو (الَّذِي قَتَلَهُ فَيْرُوزٌ) الدَّيلميُّ (بِاليَمَنِ، وَالآخَرُ مُسَيْلِمَةُ) الكذَّاب ابن حبيب الحنفيُّ اليماميُّ(5)‼ وكان صاحب نَيْرنجات(6)، وفي قولهِ: «فنفختُهما فطارا» إشارةٌ إلى حقارةِ أمرهما؛ لأنَّ شأن الَّذي يُنفخُ فيذهب بالنَّفخ أن يكون في غايةِ الحقارة. وتعقَّبه ابن العربيِّ القاضي أبو بكر بأنَّ أمرهما كان(7) في غاية الشِّدَّة.
          وأجاب في «الفتح»: بأنَّ الإشارة إنَّما هي للحقارةِ المعنويَّة لا الحسيَّة، وفي طيرانهما إشارةٌ إلى اضمحلالِ أمرهمَا، ومناسبةِ هذا التَّأويل لهذه الرُّؤيا أنَّ اليدين بمنزلةِ البلدين، والسِّوارين بمنزلة الكذَّابين، وكونهما من ذهبٍ إشارةٌ إلى ما زخرفا(8)، والزُّخرف من أسماءِ الذَّهب، وقد قال المعبِّرون(9): مَن رأى أنَّه يطير إلى جهةِ السَّماء بغير تعريجٍ فإنَّه ضررٌ، فإن غابَ في السَّماء ولم يرجعْ مات، فإن رجعَ أفاقَ من مرضهِ، فإنْ(10) طارَ عرضًا سافر ونالَ رفعةً بقدر طيرانهِ.
          والحديث سبقَ في «قصَّة العنسيِّ»، في «أواخر المغازي» [خ¦4379].


[1] «ذكر»: ليست في (د).
[2] هكذا بياض في كل النسخ، ولفظ البخاري (ح: 4273): قالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَسَأَلْتُ عن قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلعم : «إِنَّكَ أُرَى الَّذِي أُرِيتُ فِيهِ ما رَأيْتُ». فَأخبَرَني أَبُو هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: «بَيْنا أَنا نائِمٌ...» وجزم الكرماني بأنَّ المبهم هو أبو هريرة.
[3] في (د): «وقد علم».
[4] في (ع): «لكن لا».
[5] في (د): «اليماني».
[6] في (د): «نيرنجيات». والنتريج هو استحداث الخوارق إما بمجرد التأثيرات النفسانية وهو السحر، أو بالاستعانة بالفلكيات فقط وهو دعوة الكواكب، أو على تمزيج القوى السماوية بالقوى الأرضية وهو الطلسمات، أو على سبيل الاستعانة بالأرواح الساذجة، وهو العزائم والكل حرام.
[7] في (ع): «كان أمرهما».
[8] في (د): «زخرف».
[9] في (د): «المعبر».
[10] في (د): «وإن».