إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: بينا أنا نائم أتيت بقدح لبن فشربت منه

          7006- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَبْدَانُ) هو: لقب‼ عبدِ الله بن عثمان المروزيُّ قال: (أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ) بن المبارك المروزيُّ قال: (أَخْبَرَنَا يُونُسُ) بن يزيد الأيليُّ (عَنِ الزُّهْرِيِّ) محمَّدِ بن مسلمٍ أنَّه قال: (أَخْبَرَنِي) بالإفراد (حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ اللهِ) بالحاء المهملة والزاي (أَنَّ) أباه (ابْنَ عُمَرَ) ♥ (قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلعم يَقُولُ: بَيْنَا) بغير ميم (أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ) بضم الهمزة (بِقَدَحِ لَبَنٍ، فَشَرِبْتُ مِنْهُ، حَتَّى إِنِّي لأَرَى الرِّيَّ) بفتح همزة «لأرى»، واللَّام للتَّأكيد، وكسر راء «الرِّيِّ» وتشديد التَّحتية (يَخْرُجُ مِنْ أَظْفَارِي) في موضع نصبٍ مفعول ثانٍ لـ «أَرَى» إن قدِّرت الرُّؤية بمعنى العلم، أو حال(1) إن قُدِّرت بمعنى الإبصار(2)، فإن قلت: الرِّيُّ لا يُرى؟ أُجيب بأنَّه نزَّله منزلةَ المرئيِّ فهو استعارةٌ، وفي روايةِ الأَصيليِّ وابنِ عساكرَ وأبوي الوقتِ وذرٍّ: ”في أَظْفاري“ (ثُمَّ أَعْطَيْتُ(3) فَضْلِي) الَّذي فضلَ من لبنِ القدحِ الَّذي شربتُ منه (يَعْنِي: عُمَرَ) بن الخطَّاب، كأنَّ بعض رواتهِ شكَّ، وفي رواية صالحِ بن كَيسان: «فأَعطيتُ فضْلِي عمرَ بن الخطَّاب» [خ¦7007] بالجزمِ من غير شكٍّ (قَالُوا) أي: مَنْ حوله مِن الصَّحابة: (فَمَا أَوَّلْتَهُ) أي: عبَّرته (يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ): أوَّلته (العِلْمَ) لاشتراك اللَّبن والعلمِ في كثرة النَّفع بهمَا، وكونهما مبنى الصَّلاح ذاكَ في الأشباحِ، والآخرُ في الأرواحِ. وقال القاضِي أبو بكر ابن العربيِّ: الَّذي خلَّص اللَّبن من بين فرثٍ ودمٍ قادرٌ(4) أن يخلُقَ المعرفةَ من بين شكٍّ وجهلٍ. وفي رواية أبي بكرِ ابن سالمٍ أنَّه صلعم قال لهم: «أوِّلُوها». قالوا: يا نبيَّ الله هذا علمٌ أعطاكَهُ الله، فملأكَ منه ففضلَتْ فَضْلةٌ فأعطيتَها عمرَ. قال: «أصبتُم».
          قال في «الفتح»: ويجمعُ بأنَّ هذا وقع أوَّلًا، ثمَّ احتملَ عندهم أن يكونَ عندَه في تأويلِها زيادةٌ على ذلك فقالوا: ما أوَّلته... إلى آخره، لكن خصَّ الدِّينوريُّ اللَّبن المذكور هنا بلبنِ الإبل، وأنَّه لشاربهِ(5) مالٌ حلالٌ وعلم. قال: ولبنُ البقرِ: خصبُ السَّنة، ومالٌ حلالٌ، وفطرةٌ أيضًا، ولبن الشَّاة: مالٌ وسرورٌ، وصحَّةُ جسمٍ، وألبانُ الوحوش: شكٌّ في الدِّين، وألبان السِّباع: غيرُ محمودةٍ إلَّا أنَّ لبن اللَّبوة مالٌ مع عداوةٍ لذي أمرٍ. وقال أبو سهل المسيحيُّ: لبنُ الأسد يدلُّ على الظَّفر بالعدوِّ، ولبن الكلب يدلُّ على الخوفِ، ولبنُ السَّنانير والثَّعالب يدلُّ على المرضِ، ولبنُ النَّمر يدلُّ على إظهارِ العداوةِ.
          والحديث مضَى في «العلم» [خ¦82].


[1] في (د): «حالًا».
[2] في (ع) و(ص) زيادة: «واللام في لأرى للتأكيد».
[3] في (ع): «فأعطيت».
[4] في (د) زيادة: «على».
[5] في (د): «أشار به إلى».