إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: أما هو فوالله لقد جاءه اليقين والله إني لأرجو له الخير

          7003- وبه قال: (حَدَّثَنَا سَعِيدُ ابْنُ عُفَيْرٍ) بضم العين وفتح الفاء، قال: (حَدَّثَنِي) بالإفراد (اللَّيْثُ) ابن سعدٍ الإمام قال: (حَدَّثَنِي) بالإفراد(1) (عُقَيْلٌ) بضم العين، ابن خالدٍ، ولابنِ عساكرَ: ”عن عُقيل“ (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) محمَّدِ بن مسلمٍ الزُّهريِّ أنَّه قال: (أَخْبَرَنِي) بالإفراد (خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ) أحد الفقهاء السَّبعة: (أَنَّ) أمَّه (أُمَّ العَلَاءِ) بنت الحارثِ بن ثابت بنِ حارثة بنِ ثعلبةَ (امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ بَايَعَتْ رَسُولَ اللهِ(2) صلعم ، أَخْبَرَتْهُ) أي: أخبرتْ خارجة (أَنَّهُمُ اقْتَسَمُوا) أي: اقتسمَ الأنصارُ (المُهَاجِرِينَ قُرْعَةً) أي: بالقرعةِ في نزولهم عليهم، وسُكناهم في منازلهم، حين قدموا المدينة من مكَّة مهاجرين (قَالَتْ) أمُّ العلاء: (فَطَارَ لَنَا) وقعَ في سهمنا (عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ) بفتح الميم وسكون الظاء المعجمة بعدها مهملة فواو ساكنة فنون، الجمحيُّ القرشيُّ (وَأَنْزَلْنَاهُ) بالواو (فِي أَبْيَاتِنَا) فأقامَ عندنا مدَّةً (فَوَجِعَ(3)) بكسر الجيم (وَجَعَهُ) بفتحها، أي: مرض مرضَه (الَّذِي تُوُفِّي فِيهِ، فَلَمَّا تُوُفِّي) سنةَ ثلاثٍ من الهجرة في شعبان (غُسِّلَ) وفي «الجنائز»: وغسل بالواو [خ¦1243] (وَكُفِّنَ فِي أَثْوَابِهِ، دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صلعم ) عليه، قالت: (فَقُلْتُ: رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْكَ) يا (أَبَا السَّائِبِ) بالسين المهملة، وهي كنيةُ ابن مظعون (فَشَهَادَتِي عَلَيْكَ) أي: لكَ، مبتدأ، و«عليك» صلته، والجملة الخبريَّة خبره، وهي قوله: (لَقَدْ أَكْرَمَكَ اللهُ) أي: شهادَتي عليك قولي: لقد أكرمكَ اللهُ، ومثل هذا التَّركيب عُرْفًا مُستعمل، ويرادُ به معنى القَسَم كأنَّها قالت: أقسمُ باللهِ لقد أكرمَكَ الله (فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم : وَمَا يُدْرِيكِ) بكسر الكاف، أي: من أين علمت (أَنَّ اللهَ أَكْرَمَهُ؟ فَقُلْتُ: بِأَبِي أَنْتَ) مفديٌّ، أو أفديكَ به (يَا رَسُولَ اللهِ، فَمَنْ يُكْرِمُهُ اللهُ) إذا لم يكن هو من المكرمين مع إيمانهِ وطاعتهِ الخالصَة؟ (فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم ‼: أَمَّا هُوَ) بتشديد الميم، أي: عثمان (فَوَاللهِ لَقَدْ جَاءَهُ اليَقِينُ) وهو الموتُ، وقسيمُ «أمَّا» هو قوله: (وَاللهِ إِنِّي لأَرْجُو لَهُ الخَيْرَ، وَوَاللهِ مَا أَدْرِي وَأَنَا رَسُولُ اللهِ مَاذَا يُفْعَلُ بِي) ولا بكُمْ؟ وهذا قاله قبل نزولِ آية الفتحِ: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ}[الفتح:2].
          وقال في «الكواكب»: فإن قيل(4): معلومٌ أنَّه صلعم مغفورٌ له ما تقدَّم من ذنبه(5) وما تأخَّر، وله من المقاماتِ المحمودةِ ما ليس لغيرهِ. قلتُ: هو نفيٌ للدِّراية التَّفصيليَّة، والمعلوم هو الإجماليُّ (فَقَالَتْ) أمُّ العلاء: (وَاللهِ لَا أُزَكِّي بَعْدَهُ أَحَدًا أَبَدًا).
          7004- وبه قال: (حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ) الحكمُ بن نافعٍ قال: (أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ) هو: ابنُ أبي حمزةَ (عَنِ الزُّهْرِيِّ) محمَّدِ بن مسلمٍ (بِهَذَا) أي: الحديثِ المذكور (وَقَالَ(6)) صلعم : (مَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِهِ) أي: بابنِ مظعون (قَالَتْ) أمُّ العلاء: (وَأَحْزَنَنِي) ذلك (فَنِمْتُ، فَرَأَيْتُ لِعُثْمَانَ) بنِ مظعون (عَيْنًا تَجْرِي، فَأَخْبَرْتُ رَسُولَ اللهِ صلعم ) بما رأيتُ (فَقَالَ: ذَلِكَِ) بكسر الكاف خطابٌ لمؤنَّث، ويجوزُ الفتح، ولأبي ذرٍّ عن المُستملي والكُشمِيهنيِّ: ”ذاك“ (عَمَلُهُ) بإسقاطِ لام ذلك، أي: يجري له؛ لأنَّه كان له بقيَّةٌ من عملهِ يجري له ثوابها / ، فقد كان له ولدٌ صالحٌ يدعو له شهدَ بدرًا؛ وهو السَّائب، ويحتملُ أن يكون عثمان كان مرابطًا في سبيل الله، فيكون ممَّن يجري له عملُه لحديث فَضَالة بن عُبيد مرفوعًا: «كلُّ ميِّتٍ يُختمُ على عملِهِ إلَّا المرابطَ في سبيلِ الله، فإنَّه يُنْمى له عملُه إلى يومِ القيامة...» الحديثَ.


[1] في (د) زيادة: «أيضًا».
[2] في (د): «النبي».
[3] في (ص): «فرجع».
[4] في (ع): «قلت».
[5] «من ذنبه»: ليست في (ع) و(ص) و(د).
[6] في (د): «فقال».