إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث أبي قتادة: الرؤيا من الله والحلم من الشيطان

          6984- وبه قال: (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ ابْنُ يُونُسَ) هو: أحمدُ بنُ عبد الله بنِ يونس اليربوعيُّ الكوفيُّ قال: (حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ) بنُ معاوية أبو خيثمةَ الكوفيُّ قال: (حَدَّثَنَا) بالجمع، ولأبي ذرٍّ: ”حَدَّثني“ (يَحْيَى _هُوَ: ابْنُ سَعِيدٍ_) ولأبي ذرٍّ: ”وهو: ابنُ سعيد“ أي: الأنصاريُّ (قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ) بن عبدِ الرَّحمنِ بنِ عوف (قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا قَتَادَةَ) الحارث بنَ ربعيٍّ الأنصاريَّ ☺ (عَنِ النَّبِيِّ صلعم ) أنَّه (قَالَ: الرُّؤْيَا) يراها الشَّخص في النَّوم ممَّا يسرُّه(1) (مِنَ اللهِ) ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي: ”الصَّادقة“، وله عن الكُشمِيهنيِّ: ”الصَّالحة“ (وَالحُلْـُمُ مِنَ الشَّيْطَانِ) بضم الحاء المهملة وسكون اللام. وقال السَّفاقِسيُّ: بضمهما(2)، وهو ما يراه النَّائم من الأمر الفظيعِ المهول. قال ابنُ نفيس في «شامله»: قد تحدثُ الأحلامُ لأمرٍ في(3) المأكولِ، وذلك بأن يكون كثيرَ التَّبخير أو التَّدخين، فإذا تصعَّد ذلك إلى الدِّماغ وصادفَ انفتاحَ البطن الأوسط منه، وهو من شأنه أن يكون مُتفتِّحًا حال النَّوم، حرَّك ذلك البُخار أو الدُّخان أرواحَ الدِّماغ وغيرها عن أوضاعِها، فيعرض عن ذلك أن تختلطَ الصُّور الَّتي في مقدَّم الدِّماغ بعضها من بعضٍ(4)، وينفصلَ بعضُها من بعضٍ، فيحدثُ من ذلك صور ليستْ على وفق الصُّور الواردةِ من(5) الحواسّ، والقوَّة الَّتي تدرك تلك الصُّور حينئذٍ، ويلزمُ ذلك أن يحكمَ على تلك الصُّور بمعانٍ(6) تناسبُها، فتكون تلك المعاني لا محالةَ مخالفةً للمعاني المعهودةِ، فلذلك(7) تكون الأحلامُ حينئذٍ مشوَّشة فاسدة، وقد تحدُثُ الأحلامُ لأمرٍ مهمٍّ يتفكَّر / فيه في اليقظةِ، فيستمرُّ عمل القوَّة المفكرة في ذلك، فيكون أكثر ما يرى متعلِّقًا به، وهذا مثل الصَّنائع والفكر في العلوم، وكثيرًا ما يكون الفكر صحيحًا؛ لأنَّ القوَّة(8) تكون حينئذٍ قد قويتْ بما عرضَ لها من الرَّاحة، ولأجل توفُّر الأرواحِ حينئذٍ على القوى الباطنةِ، فلذلك كثيرًا ما ينحلُّ حينئذٍ مسائل مشكلة‼ وشبْه معطَّلة، وكثيرًا ما تستنتجُ الفكرة حينئذٍ مسائل لم تخطرْ أولًا بالبال، وذلك لتعلُّقها بالفكرة المتقدِّمة في اليقظةِ، وهذه الوجوهُ من الأحلامِ لا اعتبارَ لها في التَّعبير، وأكثرُ من تَصْدق(9) أحلامُه من يتجنَّب(10) الكذب، فلا يكون لمخيِّلته عادة بوضع الصُّور والمعاني الكاذبةِ، ولذلك الشُّعراء يندر جدًّا صدقُ(11) أحلامِهم؛ لأنَّ الشَّاعر من عادتهِ التَّخيل بما(12) ليس واقعًا(13)، وأكثرُ فكره إنَّما هو في وضعِ الصُّور والمعاني الكاذبةِ . انتهى.
          وإضافة الحلم إلى الشَّيطان(14)؛ لكونه(15) على هواه ومراده، أو لأنَّه الَّذي يخيِّل فيه(16) ولا حقيقةَ له(17) في نفسِ الأمر، أو لأنَّه يحضره لا أنَّه يفعله؛ إذ كلٌّ مخلوقٌ لله تعالى، وأمَّا إضافة الرُّؤيا وهي اسمٌ للمرئيِّ المحبوبِ إلى الله تعالى فإضافة تشريفٍ، فظاهرُه(18): أنَّ المضافةَ إلى الله لا يُقال لها حُلُم، والمضافة(19) إلى الشَّيطان لا يُقال لها: رؤيا، وهو تصريفٌ شرعيٌّ، وإلَّا فالكلُّ يسمَّى رؤيا. وفي حديث آخر [خ¦7017] «الرُّؤيا ثلاث»، فأطلق على كلٍّ رؤيا.
          وحديث الباب سبقَ في «الطِّبِّ» [خ¦5747]، وأخرجه مسلمٌ والتِّرمذيُّ وأبو داود والنَّسائيُّ وابنُ ماجه.


[1] «مما يسره»: ليست في (د) و(ع) و(ص).
[2] في (د) و(ب): «بضمها».
[3] في (ص): «من».
[4] في (ب) و(س): «ببعض».
[5] في (د) و(ع): «في».
[6] في (ص): «بمعاني».
[7] في (ص): «فكذلك».
[8] في (ص): «الفكرة».
[9] في (د): «من يصدق في».
[10] في (ص): «تجنب».
[11] في (ص): «صدقهم في».
[12] في (ب) و(س): «لما».
[13] «واقعًا»: ليست في (ص) و(ل).
[14] في (ع): «للشيطان».
[15] في (د) و(ص) و(ع): «لكونها».
[16] في (د) و(ص) و(ع): «فيها».
[17] في (د) و(ص) و(ع): «لها».
[18] في (س): «وظاهره».
[19] في (ب): «المضاف».