إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: ويلك من يعدل إذا لم أعدل

          6933- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ) المسنديُّ الجعفيُّ قال: (حَدَّثَنَا هِشَامٌ) هو ابنُ يوسف الصَّنعانيُّ قال: (أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ) بفتح الميمين بينهما عين ساكنة، ابنُ راشدٍ (عَنِ الزُّهْرِيِّ) محمَّد بن مسلمٍ (عَنْ أَبِي سَلَمَةَ) بنِ عبد الرَّحمنِ بنِ عوف (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ) سعدِ بن مالكٍ الخدريِّ ☺ أنَّه (قَالَ: بَيْنَا) بغير ميم (النَّبِيُّ صلعم يَقْسِمُ) ذهبًا بعثه عليُّ بن أبي طالبٍ من اليمن سنة تسعٍ، وخصَّ به أربعة أنفسٍ: الأقرع بن حابسٍ الحنظليَّ، وعُيينة بنَ حصن الفزاريَّ، وعلقمة بنَ عُلاثة العامريَّ، وزيد الخير الطائيَّ، إذ (جَاءَ عَبْدُ اللهِ بْنُ ذِي الخُوَيْصِرَةِ) بضم الخاء المعجمة وبالصاد المهملة، مصغَّرًا (التَّمِيمِيُّ) وهو حُرْقوص بنُ زهير، أصل الخوارج. قال في «الكواكب»: كذا في جلِّ النُّسخ بل في كلِّها: عبد الله بن ذي الخويصرة. بزيادة «ابن»، والمشهور في كتب أسماء الرِّجال: ذو الخويصرة فقط. انتهى.
          وسبق في «علامات النُّبوَّة»: فأتى ذو الخويصرةِ رجلٌ من تميم [خ¦3610] لكن في رواية عبد الرَّزَّاق عن مَعمر: إذ جاءهُ ابن ذي الخُوَيصرة. وكذا عند الإسماعيليِّ من رواية عبد الرَّزَّاق ومحمَّد بن ثورٍ وأبي سفيان الحميريِّ وعبدِ الله بن معاذ، أربعتهم عن مَعمر(1) (فَقَالَ: اعْدِلْ يَا رَسُولَ اللهِ) بهمزةِ وصلٍ وجزم اللَّام على الطَّلب، أي: اعدلْ في القسمة (فَقَالَ) صلعم له: (وَيْلَكَ) ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي: ”ويحك“ بالحاء المهملة بدل اللَّام (مَنْ) ولأبي ذرٍّ: ”ومن“ (يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ، قَالَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ) ☺ : يا رسول‼ الله (دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَهُ(2)) ولأبي ذرٍّ: ”ائذَن لي فأضرب“ بهمزة قطع، منصوبٌ بفاء الجواب (قَالَ) صلعم لعمر: (دَعْهُ) أي / : اترُكه (فَإِنَّ لَهُ أَصْحَابًا يَحْقِرُ) بكسر القاف، يستقلُّ (أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مَعَ صَلَاتِهِ، وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِ) بلفظ الإفراد فيهما، وظاهره: أنَّ تركَ الأمر بقتلهِ بسبب أصحابهِ الموصوفينَ بالصِّفة المذكورة، وهو لا يقتضِي ترك قتلهِ مع ما ظهرَ منه من مواجهته صلعم بما واجهه به، فيحتملُ أن يكون لمصلحة التَّألُّف (يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ) الصَّيد المرميُّ، والمروق: سرعة نفوذ السَّهم من الرَّميَّة حتَّى يخرج من الطَّرف الآخر، ولشدَّة سرعة خروجه لقوَّة ساعد الرَّامي لا يعلقُ(3) بالسَّهم من جسدِ الصَّيدِ شيءٌ (يُنْظَرُ) بضمِّ أوَّله وفتحِ ثالثه مبنيًّا للمفعول (فِي قُذَذِهِ) بضم القاف وفتح الذال المعجمة الأولى، في ريشِ السَّهم ليعرف هل أصاب أو أخطأ (فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ) من أثرِ الصَّيد المرمي (ثُمَّ يُنْظَرُ فِي) ولأبي ذرٍّ عن الكُشمِيهنيِّ: ”إلى“ (نَصْلِهِ) حديدة السَّهم (فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ فِي) ولأبي ذرٍّ عن الكُشمِيهنيِّ: ”إلى“ (رِصَافِهِ) بكسر الراء بعدها صاد مهملة (فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ) وسقط لفظ «ينظر» لأبي ذرٍّ (ثُمَّ يُنْظَرُ فِي نَضِيِّهِ) بفتح النون وكسر الضاد المعجمة والتحتية المشددة بعدها هاء، عود السَّهم من غير ملاحظةِ أن يكون له نصلٌ وريشٌ (فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ) من دمِ الصَّيد أو غيره، فيظنُّ أنَّه لم يصبْه، والفرض أنَّه أصابه (قَدْ سَبَقَ الفَرْثَ) بفتح الفاء وسكون الراء بعدها مثلثة، السَّرجين ما دام في الكرش (وَالدَّمَ) أي: جاوزهما، ولم يعلقْ فيه منهما شيءٌ بل خرجا بعدَه، شبَّه خروجَهم من الدِّين وكونهم لم يتعلَّقوا بشيءٍ منه بخروج ذلك السَّهم.
          وفي «مسنَدي(4)» الحميدي وابن أبي عمر من طريق أبي بكر مولى الأنصار(5) عن علي: «أنَّ ناسًا يخرجون من الدِّين كما يخرج السَّهم من الرَّمِيَّة، ثمَّ لا يعودون فيه أبدًا» (آيَتُهُمْ) علامتهم (رَجُلٌ إِحْدَى يَدَيْهِ) بالتَّثنية (أَوْ قَالَ: ثَدْيَيْهِ) بالتَّثنية أيضًا، والشَّكُّ هل هي تثنية يد بالتحتية، أو ثدي بالمثلثة، ولأبي ذرٍّ عن المُستملي: ”ثدييهِ“ أي: من غير شكٍّ. قال في «الفتح»: بالمثلثة(6) فيهما، فالشَّكُّ عنده هل هو(7) الثَّدي بالإفراد أو التَّثنية؟ قال: ووقع في رواية الأوزاعيِّ: ”إحدى يديهِ“ تثنيةُ يدٍ ولم يشكَّ وهو المعتمدُ، ففي رواية شُعيب ويونس: ”إحدِى عضديهِ“ (مِثْلُ ثَدْيِ المَرْأَةِ) بالمثلثة والإفراد (أَوْ قَالَ: مِثْلُ البَضْعَةِ) بفتح الموحدة وسكون الضاد المعجمة، أي: القطعة من اللَّحم (تَدَرْدَرُ) بفتح الفوقية والدالين المهملتين بينهما راء ساكنة آخره راء أُخرى، وأصله: تتدردر؛ فحذفت إحدى التاءين، أي: تتحرَّك وتجيءُ وتذهبُ، ولمسلم من رواية زيدِ بن وهبٍ عن عليٍّ: «وآيةُ ذلك أنَّ فيهم رجلًا له عضدٌ ليس له ذراعٌ على رأسِ عضُده‼ مثل حَلَمة الثَّدي، عليه شعراتٌ بيضٌ». وعند الطَّبريِّ من طريقِ طارق بنِ زياد عن عليٍّ: «في يدِه شعراتٍ سُود» (يَخْرُجُونَ عَلَى حِينِ فُرْقَةٍ مِنَ النَّاسِ) بكسر الحاء المهملة وبعد التحتية الساكنة نون، وبضم فاء «فرقة» أي: زمان افتراق النَّاس، ولأبي ذرٍّ عن المُستملي: ”على خَير فِرقة“ بالخاء المعجمة وبعد التحتية راء، وفِرقة: بكسر الفاء. قال في «فتح الباري»: والأوَّل المعتمد وهو الَّذي في مسلم وغيره، وإن كان الآخر صحيحًا، أي: أفضلُ طائفة.
          (قَالَ أَبُو سَعِيدٍ) الخُدْرِيُّ ☺ بالسَّند السَّابق: (أَشْهَدُ) أنِّي (سَمِعْتُ) هذا الحديث (مِنَ النَّبِيِّ صلعم وَأَشْهَدُ أَنَّ عَلِيًّا) ☺ (قَتَلَهُمْ) بالنَّهروان (وَأَنَا مَعَهُ) وفي رواية أفلحِ بنِ عبد الله عند أبي يعلى: وحضرتُ مع عليٍّ يوم قتلهم بالنَّهروان. وعند الإمام أحمدَ والطَّبرانيِّ والحاكمِ من طريق عبد(8) الله بن شدَّاد: أنَّه دخل على عائشةَ مرجعه من العراقِ ليالي قتل عليّ، فقالتْ له عائشة ♦ : تحدِّثني عن أمرِ هؤلاء القوم الَّذين قتلهم عليٌّ، قال: إنَّ عليًا لمَّا كاتب معاويةَ وحكَّما الحكمين خرجَ عليه ثمانية آلافٍ من قرَّاء النَّاس، فنزلوا بأرضٍ يُقال لها: حَرُوراء من جانب(9) الكوفة، وعتبوا عليه، فقالوا: انسلخْتَ من قميصٍ ألبسَكَه اللهُ، ومن اسمٍ سمَّاك الله به، ثمَّ حكَّمت الرِّجال في دينِ الله ولا حُكمَ إلَّا لله، فبلغَ ذلك عليًّا ☺ فجمعَ النَّاس فدعا بمصحفٍ عظيمٍ، فجعلَ يضربُه بيدِه ويقول: أيُّها المصحفُ حدِّث النَّاس، فقالوا: ماذا إنسان؟! إنَّما هو مدادٌ وورقٌ، ونحن نتكلَّم بما رويناهُ منه، فقال: كتابُ الله بيني وبين هؤلاء، يقول الله في امرأة رجل: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا}(10) الآيةَ[النساء:35] وأمَّة محمد صلعم أعظمُ من امرأة رجلٍ / ، ونقموا عليَّ أن كاتبتُ معاوية، وقد كاتبَ رسول الله صلعم سهيلَ بن عَمرو {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}[الأحزاب:21] ثمَّ بعثَ إليهم ابن عبَّاس فناظرَهم، فرجع منهم أربعةُ آلافٍ فيهم عبد الله بن الكوَّاء، فبعث عليٌّ إلى الآخرين أن يرجعوا فأبوا، فأرسلَ إليهم كونوا حيثُ شئتُم وبيننا وبينكم أن لا تسفكُوا دمًا حرامًا، ولا تقطعُوا سبيلًا، ولا تظلموا أحدًا، فإن فعلتُم نبذتُ إليكم الحربَ.
          قال عبد الله بن شداد: فوالله ما قتلَهم حتَّى قطعوا السَّبيل، وسفكوا الدَّم الحرامَ... الحديثَ.
          (جِيءَ بِالرَّجُلِ) الَّذي قال صلعم فيه: «إحدى يديهِ مثل ثدِي المرأة» (عَلَى النَّعْتِ الَّذِي نَعَتَهُ النَّبِيُّ صلعم ) أي: على الوصف الَّذي وصفه، وفي رواية أفلح: فالتمسَهُ عليٌّ فلم يجدْه، ثمَّ وجدَه بعد ذلك تحتَ جدارٍ على هذا النَّعت. وعند الطَّبريِّ من طريق زيدِ بن وهب: فقال عليٌّ: اطلبوا ذا الثُّدَيَّة، فطلبوه فلم يجدوه، فقال: ما كذبْتُ وما كُذِّبت، فطلبوه فوجدُوه في وَهْدةٍ من الأرض عليهِ‼ ناسٌ من القتلى فإذا رجلٌ على يدِه(11) مثلُ سَبَلات السِّنَّور، فكبَّر عليٌّ والنَّاس.
          (قَالَ) أبو سعيد: (فَنَزَلَتْ فِيهِ) في الرَّجل المذكور، ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي: ”فيهم“ في الحروريَّة ({وَمِنْهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ}[التوبة:58]) أي: يعيبُك في قَسْم الصَّدقات، حيث قال: هذه قسمةٌ(12) ما أُريد بها وجهَ الله. قال الحافظ ابنُ كثير: قال قتادة: وذُكر لنا أنَّ رجلًا من أهل الباديةِ حديث عهدٍ بأعرابيَّةٍ أتى نبيَّ الله صلعم وهو يقسمُ ذهبًا وفضَّة، فقال: يا محمد، والله لئن كان الله أمرَك أن تعدلَ ما عدلْتَ، فقال نبيُّ الله صلعم : «ويلَكَ فمَن ذا يعدلُ عليك بعدِي»(13) ثمَّ قال نبيُّ الله صلعم : «احذروا هذا وأشباههُ، فإنَّ في أمَّتي أشباهُ هذا، يقرؤون القرآنَ لا يتجاوزُ(14) تَرَاقيهم، فإذا خرجوا فاقتلوهم، ثمَّ إذا خرجُوا فاقتلوهم».


[1] قوله: «قال في الكواكب... عن معمر»: ليس في (ع).
[2] في (ب): «عنه».
[3] في (س): «يتعلق».
[4] في (د): «مسند».
[5] في (د): «الأنصاري».
[6] قوله: «ولأبي ذر عن المستملي ... بالمثلثة»: ليس في (د).
[7] «هو»: ليست في (د).
[8] في (د) و(س) و(ص) و(ع): «عبيد»، والمثبت من (ب).
[9] في (ص): «بجانب».
[10] في (ل): «فإن».
[11] في (د): «بدنه».
[12] «قسمة»: ليست في (د).
[13] «أن تعدل ما عدلت، فقال نبي الله صلعم : ويلك فمن ذا يعدل عليك بعدي»: ليست في (ع).
[14] في (د): «يجاوز».