إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: لا يجلد فوق عشر جلدات إلا في حد من حدود الله

          6848- وبه قال (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ) التِّنِّيسيُّ قال: (حَدَّثَنَا اللَّيْثُ) بن سعدٍ الإمام قال: (حَدَّثَنِي) بالإفراد (يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ) أبو رجاءٍ المصريُّ، واسم أبي حَبيب سويد (عَنْ بُكَيْرِ ابْنِ عَبْدِ اللهِ) بضم الموحدة وفتح الكاف، ابن الأشجِّ (عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ) ضدّ اليمين (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ) الأنصاريِّ (عَنْ أَبِي بُرْدَةَ) بضم الموحدة وسكون الراء، هانئ ابن نِيَار _بكسر النون وتخفيف التحتية_ الأوسيِّ ( ☺ ) أنَّه (قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلعم يَقُولُ: لَا يُجْلَدُ) بضم التحتية وسكون الجيم وفتح اللام، جملة معمولةٌ للقولِ خبرٌ بمعنى الأمر، والفعلُ مبنيٌّ لما لم يُسمَّ فاعله، والمفعول محذوفٌ يدلُّ عليه السِّياق، أي: لا يجلد أحدٌ (فَوْقَ عَشْرِ جَلَدَاتٍ) بفتحات مصحِّحًا عليه في الفرع كأصله (إِلَّا فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ) ╡، والمجرور متعلِّق(1) بـ «يُجْلَد»، فيكون الاستثناء مفرَّغًا؛ لأنَّ ما قبل «إلَّا» عمل فيما بعدَها، و«مِن حدودِ اللهِ»: متعلِّقٌ بصفة لـ «حدٍّ»، والتَّقدير: إلَّا في موجب حدٍّ من حدود الله تعالى.
          قال في «الفتح»: ظاهره: أنَّ المراد بالحدِّ ما وردَ فيه من الشَّارع عددٌ من الجلد أو الضَّرب مخصوصٌ، أو عقوبةٌ مخصوصةٌ، والمتَّفق عليه من ذلك أصل الزِّنا والسَّرقةُ، وشُربُ المسكر، والحِرَابة، والقذفُ بالزِّنا، والقتلُ، والقصاصُ في النَّفس والأطراف، والقتلُ في الارتداد، واختُلف في تسمية الأخيرين حدًّا، واختُلف في مدلولِ هذا الحديث، فأخذ بظاهرهِ الإمام أحمد في المشهورِ عنه وبعض الشَّافعيَّة، وقال مالكٌ والشَّافعيُّ وصاحبا أبي حنيفة: تجوز الزِّيادة على العشرة، ثمَّ اختلفوا؛ فقال الشَّافعيُّ: لا يبلغ أدنى الحدود، وهل الاعتبار بحدِّ الحرِّ أو العبد؟ قولان. وقال الآخرون: هو إلى رأي الإمام بالغًا ما بلغَ، وأجابوا عن ظاهرِ الحديثِ بوجوهٍ منها الطَّعن فيه، فإنَّ ابن المنذر ذكر في إسناده مقالًا، وقال الأَصيليُّ: اضطربَ إسنادُه فوجب تركهُ، وتُعقِّب بأنَّ عبد الرَّحمن ثقةٌ(2)، وقد صرَّح بسماعهِ في الرِّواية الآتية [خ¦6849] وإبهام الصَّحابيِّ لا يضرُّ، وقد اتَّفق الشَّيخان على تصحيحه، وهما العُمدة في التَّصحيح(3)، ومنها أنَّ عمل الصَّحابة بخلافه يقتضِي نسخه، فقد كتبَ عمر إلى أبي موسى الأشعريِّ: أن لا تبلغ بنكالٍ أكثر من عشرين سوطًا. وعن عثمان: ثلاثين، وضربَ عمرُ أكثر من الحدِّ، أو من مئة، وأقرَّه الصَّحابة.
          وأُجيب بأنَّه لا يلزم في مثل ذلك النَّسخ. ومنها حملُه على واقعةِ عينٍ بذنب مُعيَّن أو رجل معيَّنٍ، قاله الماورديُّ، وفيه نظرٌ.
          والحديث أخرجه مسلمٌ في «الحدود»، وكذا أبو داود والتِّرمذيُّ والنَّسائيُّ وابنُ ماجه.


[1] في (ص): «يتعلق»، وفي «الفتح»: «فيتعلق».
[2] «ثقة»: ليست في (د).
[3] في (ل): «الصَّحيح».