إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب قول الله تعالى: {ومن لم يستطع منكم طولًا أن ينكح المحصنات}

          ░35▒ (باب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً}) غنًى واعتلاءً، وأصله الفضل والزِّيادة، وهو مفعول {يَسْتَطِعْ } ({أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ}) في موضعِ نصب بـ {طَوْلاً} أو بفعل يقدر(1) صفة له، أي: ومَن لم يستطعْ منكم أن يعتليَ نكاح المحصناتِ، أو مَن لم يستطعْ غنًى يبلغ به نكاحَ المحصنات، يعني: الحرائر؛ لقولهِ: ({فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ}) إمائكم المؤمناتِ، وفي ظاهره حجَّة للشَّافعيِّ حيث حرَّم نكاح الأمةِ على من ملكَ صداق حرَّةٍ، ومنع نكاح الأمة الكتابيَّة مطلقًا، وجوَّزه أبو حنيفة، وأوَّل التَّقييد في النَّصِّ للاستحبابِ(2)، واستدلَّ بأنَّ الإيمان ليس بشرطٍ في الحرائر اتِّفاقًا مع التَّقييد به ({وَاللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ}) فاكتفوا بظاهر الإيمان، فإنَّه العالم بالسَّرائر، وبتفاضل ما بينكم في الإيمان(3)، فَرُبَّ أَمَةٍ تفضل الحرَّة فيه، فمن حقِّكم أن تعتبروا فضلَ الإيمان لا فضل النَّسب، والمراد: تأنيسهم بنكاح الإماءِ، ومنعُهم عن الاستنكافِ عنه، ويؤيدُه ({بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ}) أي: أنتم وأرقَّاؤكم متناسبون، نسبُكم من آدم، ودينُكم الإسلام ({فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ}) أي: أربابهنَّ، واعتبار إذنهنَّ مطلقًا لا إشعار له على أنَّ لهنَّ أن يباشرنَ العقدَ بأنفسهنَّ حتَّى يحتجَّ(4) به الحنفيَّة، فالسَّيِّد هو وليُّ أَمَتهِ لا تزوَّج إلَّا بإذنهِ، وكذلك هو وليُّ عبدِه ليس له أن يتزوَّج بغير إذنهِ، كما في الحديث: «أيُّما عبدٍ تزوَّج بغيرِ مَواليه فهو مجاهرٌ(5)» أي: زانٍ. وفي الحديث أيضًا: «لا تُزوِّج المرأةُ نفسَها، فإنَّ الزَّانية هي الَّتي تُزوِّج نفسَها» ({وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}) وأدُّوا إليهنَّ مهورهنَّ بغير مطلٍ وضِرَارٍ، وملَّاك مهورهنَّ مواليهنَّ، فكان أداؤها إليهنَّ أداءً إلى الموالي؛ لأنهنَّ وما في أيديهنَّ مال الموالي؛ إذ التَّقدير: فآتوا مواليهنَّ، فحذف المضاف ({مُحْصَنَاتٍ}) عفائف، حالٌ من المفعول في {وَآتُوهُنَّ} ({غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ}) زوانٍ علانية ({وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ}) زوانٍ / سرًّا، والأخدان: الأخلَّاء في السِّرِّ ({فَإِذَا أُحْصِنَّ}) بالتَّزويج ({فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ}) زنا ({فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ}) الحرائرِ ({مِنَ الْعَذَابِ}) من الحدِّ، وهو يدلُّ على أنَّ حدَّ العبدِ نصف‼ حدِّ الحرِّ، وأنَّه لا يرجم لأنَّ الرَّجم لا يتنصف ({ذَلِكَ}) أي: نكاح الإماء ({لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ}) لمن خاف الإثم الَّذي يؤدِّي إليه غلبة الشَّهوة ({وَأَن تَصْبِرُواْ}) أي: وصبركم عن نكاحِ الإماء متعفِّفين ({خَيْرٌ لَّكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ}) لمن يصبر ({رَّحِيمٌ}[النساء:25]) بأن رخَّص له، وسقط لأبي ذرٍّ من قولهِ «{الْمُؤْمِنَاتِ}...» إلى آخره، وقال بعد {الْمُحْصَنَاتِ}: ”الآيةَ“ وسقط أيضًا للأَصيليِّ من قولهِ «{وَاللّهُ أَعْلَمُ}...» إلى آخره، وقال بعد قولهِ: {مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ}: ”إلى قولهِ: {وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}“ وزاد أبو ذرٍّ عن المُستملي: ”{غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ}: زواني، {وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ}: أَخِلَّاء“. وسبق.
          ولم يذكرْ في هذا الباب حديثًا، كما صرَّح به الإسماعيليُّ بل اقتصرَ على الآيةِ اكتفاءً بها عن الحديثِ المرفوع. نعم، أدخلَ ابنُ بطَّال فيه حديث أبي هريرة التَّالي لهذا الباب.


[1] في (د): «مقدر».
[2] في (د): «بالاستحباب».
[3] «في الإيمان»: ليست في (د).
[4] في (د): «يحكم».
[5] في (ب): «عاهر».