إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: فقولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد

          6357- وبه قال: (حَدَّثَنَا آدَمُ) بن أبي إياسٍ قال: (حَدَّثَنَا شُعْبَةُ) بن الحجَّاج قال: (حَدَّثَنَا الحَكَمُ) بفتح الحاء(1) المهملة والكاف، ابن عُتَيْبة _بضم العين المهملة وفتح الفوقية وسكون التحتية بعدها موحدة_ فقيهُ الكوفةِ في عصره (قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي لَيْلَى) بفتح اللامين مقصورٌ، الأنصاريَّ عالم الكوفة (قَالَ: لَقِيَنِي كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ) بضم العين المهملة وسكون الجيم بعدها راء مفتوحة فهاء تأنيث، المدنيُّ الأنصاريُّ بالحِلْفِ(2)، من أصحاب الشَّجرة، وعند‼ الطَّبريِّ: من طريق المحاربيِّ عن مالكِ بن مِغْول أنَّ ذلك كان وهو يطوف بالبيت الحرام (فَقَالَ) لي: (أَلَا) بالتَّخفيف، وتكون للعرض والتَّحضيض، والفرق بينه وبين العرض: أنَّ العرض معه لينٌ، بخلاف التَّحضيض فإنَّه بِحَثٍّ، فقوله هنا: ألا (أُهْدِي) بضم الهمزة (لَكَ هَدِيَّةً؟) عرض، والهديَّة اسم مصدر، والمصدرُ إهداءٌ(3)؛ لأنَّه من أهدَى، والهدية: ما يُتقرَّب به إلى المهدى إليه تودّدًا وإكرامًا، وزاد فيه بعضُهم: من غير قصدِ نفع عوضٍ دنيوي بل لقصدِ ثواب الآخرةِ، وأكثر ما يستعمل في الأجسام لا سيَّما والهديَّة فيها نقلٌ من مكانٍ إلى آخرٍ، وقد يُستعمل في المعاني كالعلومِ والأدعية مجازًا لِمَا يشتركان فيه من قصدِ المواددةِ والتَّواصل في إيصالِ ذلك إليه، وفي رواية شَبَابةَ وعفَّان عن شعبةَ عند الخِلَعِيِّ في «فوائده»: «قلت: بلى» (إِنَّ) بكسر الهمزة على الاستئناف، ويجوز الفتحُ بتقدير: هي أنَّ، فتكون معمولة، أو بتقدير فعلٍ، أي: أهدي لك أنَّ (النَّبِيَّ صلعم خَرَجَ عَلَيْنَا فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ) عطفٌ على «خرجَ» وجملة: «يا رسول الله» معمولةٌ للقولِ، وقوله: «قلنا» بصيغةِ الجمع يحتملُ أنَّه(4) أرادَ نفسه وغيره من الصَّحابة ممَّن كان حاضرًا.
          قال في «الفتح»: وقد وقفتُ من تعيين مَن باشر السُّؤال على جماعةٍ منهم: أبيُّ بن كعبٍ عند الطَّبرانيِّ، وبشيرُ بن سعدٍ والد النُّعمان في حديث ابنِ مسعودٍ عند مالكٍ ومسلمٍ، وزيدُ بن خارجة الأنصاريُّ عند النَّسائيِّ، وطلحةُ بن عُبيد الله عند الطَّبريِّ، وحديث أبي هريرة عند الشَّافعيِّ، وعبدُ الرَّحمن بن بشيرٍ عند إسماعيل القاضِي في كتاب «فضل الصَّلاة» فإن ثبتَ أنَّ السَّائل كان متعدِّدًا فواضحٌ، وإن ثبتَ أنَّه كان واحدًا، فالحكمة في التَّعبير بصيغة الجمع: الإشارة إلى أنَّ السُّؤال لا يختصُّ به بل يريدُ نفسَه ومَن يوافقُه على ذلك، ولا يُقال: هو من باب التَّعبير عن البعضِ بالكلِّ، بل حملهُ على ظاهرهِ من الجمع هو المعتمد لِما ذكر.
          وعند البيهقيِّ والخِلَعِيِّ من طريقِ الأعمش ومِسْعر ومالك بن مِغْولٍ، عن الحكم، عن عبدِ الرَّحمن بنِ أبي ليلى، عن كعبِ بن عجرة لمَّا نزلت: {إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} الاية[الأحزاب:56] قلنا(5): يا رسول الله (قَدْ عَلِمْنَا كَيْفَ نُسَلِّمُ عَلَيْكَ) بما علَّمتنا من أن نقول: السَّلام عليك أيُّها النَّبيُّ، وقد أمرنا الله تعالى بالصَّلاة والسَّلام عليك في الآية (فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟) أي: فعلِّمنا كيف اللَّفظ اللَّائق بالصَّلاة عليك؟ (قَالَ) صلعم : (فَقُولُوا(6)) والأمر هنا للوجوب اتِّفاقًا. نعم اختُلِفَ هل تتعدَّد أم لا؟ فقيل: في العمر مرَّةً واحدةً، وقيل: في كلِّ تشهُّدٍ يعقبُه سلامٌ، قاله الشَّافعيُّ، وفيه مباحثُ‼ سبقتْ في «سورة الأحزابِ» [خ¦4797] [خ¦4798] وقيل: تجبُ كلَّما ذُكِر لحديث: «رغَـِمَ♣ أنفُ رجلٍ ذكِرتُ عندَهُ ولم(7) يصلِّ عليَّ» وفي «كتاب المواهب اللَّدنِّيَّة» من ذلك ما يكفِي ويشفِي، ولأبي ذرٍّ: ”فقال: قولوا“: (اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ) قال الحَليميُّ: أي: عظِّمه في الدُّنيا بإعلاءِ ذكرهِ وإظهارِ دينهِ وإبقاءِ شريعته، وفي الآخرة بإجزالِ مَثُوبته وتشفيعهِ في أمَّته وإبداءِ فضيلتهِ بالمقامِ المحمود، ولمَّا كان البشرُ عاجزًا عن أن يبلغَ قدر الواجبِ له من ذلك، شرَّع لنا أن نحيلَ أمر ذلك على الله تعالى بأنْ نقول: اللَّهمَّ صلِّ على محمَّدٍ، أي: لأنَّك أنت العليم بما يليقُ به من ذلك / (وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ) مَن حرُمت عليه الصَّدقة (كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ) وعند البيهقيِّ من وجهٍ آخر، عن آدم بن أبي إياسٍ _شيخ المؤلِّف_: «على إبراهيم»، ولم يقل: «على آل إبراهيم». قال في «الفتح»: والحقُّ أنَّ ذكر محمَّد وإبراهيم، وذكر آل محمَّدٍ وآل إبراهيم ثابتٌ في أصلِ الخبر، وإنَّما حفظ بعض الرُّواة ما لم يحفظِ الآخر (إِنَّكَ حَمِيدٌ) محمودٌ (مَجِيدٌ) ماجدٌ، وصفان بُنيا(8) للمبالغةِ (اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ) أي: أثبت له وأدمْ له ما أعطيتهُ من التَّشريفِ والكرامةِ، وزدهُ من الكمالاتِ ما يليقُ بك وبه (وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ).
          قال في «شرح المشكاة»: هذا تذييلٌ للكلام السَّابق وتقريرٌ له على سبيلِ العموم، أي: إنَّك حميدٌ فاعلٌ ما تستوجبُ به الحمد من النِّعم المتكاثرةِ، والآلاءِ المتعاقبة المتواليةِ، مجيدٌ كريم الإحسان على جميعِ عبادك الصَّالحين، ومن محامدِك وإحسانِك أن توجِّه صلواتكَ وبركاتكَ وترحُّمك على حبيبكَ نبيِّ الرَّحمة وآلهِ، وللحافظِ أبي الحسن بن المفضَّل(9) المقدسيِّ(10) جزءٌ جمع فيه طرق(11) حديث عبد الرَّحمن بن أبي(12) ليلى، عن كعبِ بن عجرة.


[1] «الحاء»: ليست في (ص) و(ع) و(د).
[2] «بالحلف»: ليست في (د).
[3] في (د): «اسم مصدر أهدى».
[4] في (ع): «أن يكون».
[5] في (ص): «قلت».
[6] في (د): «قولوا».
[7] في (د): «فلم».
[8] في (ع) و(ص) و(د): «وصرف البناء».
[9] في (ب): «الفضل».
[10] «المقدسي»: ليست في (د).
[11] في (ص): «طرف».
[12] «أبي»: ليست في (د).