إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: أيكم مثلي إني أبيت يطعمني ربي ويسقين

          6851- وبه قال: (حَدَّثَنَا يَحْيَى ابْنُ بُكَيْرٍ) هو: يحيى بن عبد الله بن بُكَير _بضم الموحدة وفتح الكاف_ المخزوميُّ مولاهم المصريُّ قال: (حَدَّثَنَا اللَّيْثُ) بن سعدٍ الإمام (عَنْ عُقَيْلٍ) بضم العين وفتح القاف، ابن خالد (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) محمَّدِ بن مسلمٍ الزُّهريِّ أنَّه قال: (حَدَّثَنَا) ولأبي ذرٍّ: ”حَدَّثني“ بالإفراد (أَبُو سَلَمَةَ) بن عبدِ الرَّحمنِ بن عوف: (أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ ☺ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صلعم ) نهيَ تحريمٍ، أو تنزيهٍ، أو ليس نهيًا بل إرشادًا راجعًا إلى مصلحةٍ دنيويَّة (عَنِ الوِصَالِ) في الصَّوم فرضًا أو نفلًا، وهو صومُ يومين فصاعدًا من غير أكلٍ وشربٍ بينهما، فإنَّه وصل الصَّوم بالصَّوم، ولو قلنا: إنَّه باللَّيل يصير مفطرًا حكمًا (فَقَالَ لَهُ) صلعم (رِجَالٌ مِنَ المُسْلِمِينَ) ولأبي ذرٍّ عن الكُشمِيهنيِّ: ”رجل“ بالإفراد، ولم يُسمَّ (فَإِنَّكَ يَا رَسُولَ اللهِ تُوَاصِلُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم : أَيُّكُمْ مِثْلِي)؟ بكسر الميم وسكون المثلثة (إِنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِ) كذا بغير ياء بعد النون في الفرع كالمصحف العثمانيِّ في سورة الشُّعراء، وجملة «يُطعمني» حاليَّة، أي: يجعلُ فيه قوة الطَّاعم والشَّارب، أو هو على ظاهرهِ بأن يُطعم من طعام الجنَّة، ويُسقى من شرابها، والصَّحيح الأوَّل؛ لأنَّه لو كانت حقيقة لم يكن مواصلًا (فَلَمَّا أَبَوْا) امتنعوا (أَنْ يَنْتَهُوا عَنِ الوِصَالِ) لظنِّهم أنَّ النَّهي للتَّنزيه (وَاصَلَ) صلعم (بِهِمْ يَوْمًا ثُمَّ يَوْمًا) أي: يومين ليبيِّن لهم الحكمة في ذلك (ثُمَّ رَأَوُا الهِلَالَ، فَقَالَ) صلعم (لَوْ تَأَخَّرَ) الشَّهر (لَزِدْتُكُمْ) في الوصالِ إلى أن تعجزوا عنه (كَالمُنَكِّلِ بِهِمْ) بضم الميم وفتح النون وكسر الكاف مشددة، أي: المعاقب لهم، ولأبي ذرٍّ: ”لهم“ باللَّام بدل الموحدة (حِينَ أَبَوْا) امتنعوا عن الانتهاءِ عن الوصالِ.
          وهذا موضع التَّرجمة، وفيه _كما قال المهلَّب_: أنَّ التَّعزير موكولٌ إلى رأي الإمام؛ لقولهِ: «لو امتدَّ الشَّهر لزدتكم» فدلَّ أنَّ للإمام أن يزيدَ على التَّعزير ما يراه، لكنَّ الحديث وردَ في عددٍ من الضَّرب(1) متعلِّقٌ(2) / بشيءٍ محسوس، وهذا يتعلَّقُ بشيءٍ متروكٍ وهو الإمساك عن المفطراتِ، والألم فيه يرجع إلى التَّجويع والتَّعطيشِ وتأثيرهما في الأشخاص متفاوت جدًا، والظَّاهر أنَّ الَّذين واصلَ بهم كان لهم اقتدارٌ على ذلك في الجملةِ، فأشار إلى أن ذلك لو تمادى حتَّى ينتهي إلى عجزهِم عنه لكان هو المؤثِّر في زجرهِم، فيُستفاد منه أنَّ المراد من التَّعزير ما يحصلُ به الرَّدع، قاله في «الفتح».
          قال في «عمدة القاري»: والحديثُ بهذا الوجهِ من أفراده‼.
          (تَابَعَهُ) أي: تابع عُقَيْلًا (شُعَيْبٌ) وهو: ابنُ أبي حمزة، فيما رواه المؤلِّف في «باب التَّنكيل»، من «كتاب الصِّيام» [خ¦1965] (وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ) الأنصاريُّ، فيما وصله الذُّهليُّ في «الزُّهريَّات» (وَيُونُسُ) بن يزيد _فيما(3) وصله مسلم_ الثَّلاثة في روايتهِم (عَنِ الزُّهْرِيِّ) محمَّدِ بن مسلمٍ (وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ) الفهميُّ أميرُ مصر لهشامِ بن عبدِ الملك بنِ مروان (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) محمَّدِ بن مسلم (عَنْ سَعِيدٍ) بكسر العين، ابن المسيَّب (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) ☺ (عَنِ النَّبِيِّ صلعم ) فخالفَهم عبدُ الرَّحمن فقال: عن سعيدِ بن المسيَّب، وسيأتي الكلامُ على روايةِ عبدِ الرَّحمن هذه في «كتاب الأحكام» [خ¦7242] إن شاء الله تعالى بعون الله وقوَّته.


[1] في (د): «الضربات».
[2] في (ص): «فتعلق».
[3] في (د): «مما».