إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: لا يزني العبد حين يزني وهو مؤمن

          6809- وبه قال: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى) بن عبيد العنَزيُّ _بالنون المفتوحة والزاي_ البصريُّ المعروف بالزَّمِن قال: (أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ) الواسطيُّ الأزرقُ قال: (أَخْبَرَنَا الفُضَيْلُ) بضم الفاء وفتح الضاد المعجمة (ابْنُ غَزْوَانَ) بفتح الغين المعجمة وسكون الزاي (عَنْ عِكْرِمَةَ) مولى ابن عبَّاس (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ☻ ) أنَّه (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم : لَا يَزْنِي العَبْدُ حِينَ يَزْنِي وَهْوَ مُؤْمِنٌ) فيه نفيُ الإيمانِ في حالة ارتكاب الزِّنا، ومقتضاهُ أنَّه يعودُ إليه الإيمانُ بعد فراغهِ وهذا هو الظَّاهر، أو أنَّه يعودُ إليه إذا أقلعَ الإقلاعَ الكلِّيَّ، فلو فرغَ مصرًّا على تلك المعصيةِ فهو كالمرتكبِ، فيتَّجه أنَّ نفي الإيمانِ عنه مستمرٌّ، ويؤيِّده قولُ ابن عبَّاسٍ الآتي في هذا البابِ إن شاء الله تعالى (وَلَا يَسْرِقُ) السَّارق (حِينَ يَسْرِقُ وَهْوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ) الشَّارب (حِينَ يَشْرَبُ) المسكِرَ (وَهْوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَقْتُلُ) القاتلُ مؤمنًا بغير حقٍّ (وَهْوَ مُؤْمِنٌ).
          (قَالَ عِكْرِمَةُ) بالسَّند السَّابق: (قُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ) ☻ : (كَيْفَ يُنْزَعُ) بضم التحتية وفتح الزاي (الإِيمَانُ مِنْهُ(1)) عند ارتكابه الزِّنا والسَّرقة وشُرب الخمر وقتل النَّفس؟ (قَالَ: هَكَذَا وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ ثُمَّ أَخْرَجَهَا) وفي حديثِ أبي داود والحاكم بسندٍ صحيحٍ من طريق سعيد المقبُريِّ أنَّه سمع أبا هريرة رفعه: «إذَا زَنى الرَّجل خرجَ منهُ الإيمانُ فكانَ عليهِ كالظُّلَّة، فإذا أقلعَ رجعَ إليهَ الإيمانُ». وعند الحاكمِ من طريق ابنِ حُجَيرة أنَّه سمع أبا هُريرة رفعه: «مَن زَنى أو شربَ الخمرَ نزعَ اللهُ منه الإيمانَ كمَا يخلَعُ الإنسانُ قميصَهُ عن(2) رأسِهِ» (فَإِنْ تَابَ) المرتكبُ من ذلك (عَادَ إِلَيْهِ)‼ الإيمانُ (هَكَذَا وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ).
          وأخرج الطَّبريُّ من طريق نافعِ بن جبير بنِ مُطعم عن ابن عبَّاسٍ ☻ ، قال: «لا يزني الزَّاني حينَ يَزْني(3) وهو مؤمنٌ، فإذا زايل(4) رجعَ إليه الإيمانُ؛ ليس إذا تابَ منه، ولكن إذا تأخَّر عن العملِ به». ويؤيِّده أنَّ المُصِرَّ وإن كان إثمهُ مستمرًّا لكن ليس إثمهُ كمَن باشرَ الفعلَ، كالسَّرقة مثلًا.
          وقال الطِّيبيُّ: يحتمل أن يكون الَّذي نقص من الإيمان المذكور الحياء وهو المعبَّر عنه في الحديث الآخر بالنُّور / ، وقد سبق حديث: «الحياءُ من الإيمانِ» [خ¦24] فيكون التَّقدير: لا يَزْني حين يَزْني... إلى آخره، وهو يستحيي من اللهِ، لأنَّه لو استحيَا منه وهو يعرفُ أنَّه شاهدَ حالَه لم يرتكبْ ذلك، وإلى ذلك تصحُّ إشارة ابن عبَّاسٍ بتشبيكِ أصابعهِ، ثمَّ إخراجِها منها، ثمَّ إعادتها إليهَا.


[1] في (د): «منه الإيمان».
[2] في (د) و(ع): «من».
[3] «حين يزني»: ليست في (د).
[4] في (د) و(ع): «زال».