التلقيح لفهم قارئ الصحيح

حديث: لقد عذت بعظيم الحقي بأهلك

          5254- قوله: (حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ): تَقَدَّمَ مِرارًا أنَّه بِضَمِّ الحاء، وفتح الميم، وأنَّه عبد الله بن الزُّبَير، و(الْوَلِيدُ) بعده: هو ابن مسلم، أحد الأعلام، الدِّمَشْقيُّ، و(الأَوْزَاعِيُّ): عبد الرحمن بن عمرو، أبو عمرو، وتَقَدَّمَ الكلام على هذه النسبة لماذا [خ¦78]، و(الزُّهْرِيُّ): مُحَمَّد بن مسلم ابن شهاب، أحد الأعلام المشهورين.
          قوله: (أَنَّ ابْنَةَ الْجَوْنِ): اختُلف في اسم المستعيذة منه صلعم، فقال النَّوَويُّ في «تهذيبه»: (والأصحُّ أنَّ اسمها أميمة، قال: وروينا في آخر كتاب «دلائل النبوَّة» للبيهقيِّ قال: وروينا في حديث أبي أُسَيد في قصَّة الجَوْنِيَّة التي استعاذت: أنَّ اسمها أميمة بنت النعمان بن شَراحيل)، انتهى، ويأتي قريبًا أنَّه أتى بالجَوْنِيَّة، فأُنزِلت في بيت أُمَيمة بنت النعمان بن شَراحيل [خ¦5255]، فصريحه أنَّ المستعيذة ابنة الجَوْن، وأنَّها غير أُمَيمة بنت النعمان بن شَراحيل، وفي «مستدرك الحاكم» في (المناقب) في ترجمة الكلابيَّة: (ثُمَّ قالت لها إحداهما _يعني: عائشة أو حفصة_: إنَّ النَّبيَّ صلعم يعجبه مِن المرأةِ إذا دخلت عليه؛ أن تقول: أعوذُ بالله منكَ...) إلى آخره، ثُمَّ تعقَّبه الذَّهَبيُّ بأنَّ سنده واهٍ، وقال بعض مشايخي: (وفي «مستدرك الحاكم» بسند الواقديِّ: أنَّ القائل لها ذلك [إمَّا] عائشةُ وإمَّا حفصة)، انتهى.
          وذكر الحاكم في ترجمتها أيضًا قبل هذا حديثًا فيه الواقديُّ فقال: (ودخل عليها داخلٌ من النساء فعلَّمها ذلك)، وذكر هذا أيضًا شيخُنا عن الحاكم، وسيأتي قريبًا شيءٌ مِن ذلك، قال النَّوَويُّ: (قال _يعني: البَيْهَقي_: وذكر ابن منده في كتاب «المعرفة» اسمها أُميمة بنت النعمان، وأنَّه يُقال: إنَّها فاطمة بنت الضَّحَّاك، ويُقال: إنها مُلَيكة الليثيَّة، قال: والصَّحيح أنَّها أُميمة)، قال النَّوَويُّ: (قلت: وقيل: اسمها عَمْرَة، قال الخطيب في «الأسماء المبهمة»: اسمها أسماء، قال هشام بن مُحَمَّد الكلبيُّ: اسمها أسماء بنت النعمان بن الحارث بن شَراحيل بن عبدِ بن الجون)، انتهى.
          وذكر شيخنا في شرحه لهذا الكتاب في اسمها أقوالًا، وقال في «تخريج أحاديث الرافعيِّ» الخلاصة _وقد قرأتُها عليه أجمع_: (فيها سبعة أقوالٍ: أميمة، أو أسماء، أو عمرة، أو فاطمة، أو مليكة، أو سَبَا، أو العالية)، انتهى، و(سَبَا): بالسين المُهْمَلة المفتوحة، ثُمَّ مُوَحَّدَة خفيفة، وهي بنت الصَّلْت السُّلَميَّة، قال الذَّهَبيُّ في «تجريده» في (سبا): (ويُقال: سنا _يعني: بالنون_ ذكر ابن الكلبيِّ: أنَّه ◙ تزوَّج بها فماتت قبل الدخول)، انتهى.
          ورأيت في «تذهيب الذَّهَبيِّ» والظاهر أنَّه في أصله في ترجمة النوَّاس بن سمعان ما لفظه: (وقد وفد أبوه _يعني: سمعان_ على النَّبيِّ صلعم، فزوَّجه ناجية؛ وهي الكلابيَّة التي تعوَّذت من النَّبيِّ صلعم فتركها)، انتهى، ولا أعلم أنا أحدًا من الصَّحابيَّات اسمها ناجية، والله أعلم.
          قوله: (قَالَتْ: أَعُوذُ بِاللهِ مِنْكَ): اعلم أنَّه وقع في «الوسيط» للغزاليِّ: فعلَّمها نساؤه كلمةً؛ يعني: الاستعاذة، قال النَّوَويُّ في «مبهمات التهذيب» عقيب تسمية المستعيذة: (هذا باطلٌ، ليس بصحيحٍ، وقد رواه مُحَمَّد بن سعد في «طبقاته» بهذه الزيادة، وإسنادُه ضعيفٌ)، انتهى، وقد قَدَّمْتُ لك ما في «المستدرك» والكلام عليه.
          سؤالٌ: على تقدير صحَّة ما رواه ابن سعد في «الطبقات» وما رواه الحاكم، وهو إذا كان علَّمها نساؤه أن تقول ذلك؛ فلِمَ عاقبها بالطلاق وهي لا تعلم؟ وجوابه: أنَّها إذا لم تعلم قبح هذه اللفظة؛ لا تصلح أن تكون مِن أزواجه، خصوصًا مَن يخاطب أفضل الأنبياء؛ بل أفضل الخلق بهذا الخطاب، كما سيأتي أنَّها قالت له قبل الاستعاذة: (وهل تَهَبُ الملكة نفسها للسُّوقة؟!) [خ¦5255] والله أعلم.
          قوله: (الْحَقِي بِأَهْلِكِ): هو بهمزة وصل، فإن ابتدأتَ بها؛ كسرتها، وبفتح الحاء، وهذا ظاهِرٌ جدًّا. /
          قوله: (رَوَاهُ حَجَّاجُ ابْنُ أَبِي مَنِيعٍ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ): (حجَّاج ابن أبي مَنِيع): هو حجَّاج ابن يوسف بن أبي مَنِيع عبيدِ الله بن أبي زياد الرُّصافيُّ، أبو مُحَمَّد، مولى بني أُمَيَّة، وقيل: حجَّاج ابن أبي مَنِيع يوسفَ بن عبيد(1) الله بن أبي زياد، عن جدِّه عبيد الله عن الزُّهريِّ نسخة كثيرة، وعن موسى بن أعين، وعنه: الذُّهْليّ، وابن وَارَةَ، وأبو أسامة عبدُ الله بن مُحَمَّد الحلبيُّ، وطائفة، سكن حلب، قال هلال: (كان مِن أعلم الناس بالأرض ومَا أنبتتْ، وأعلم الناس بالفَرَس مِن ناصيته إلى حافره، وبالبعير مِن سَنامه إلى خُفِّه، وهو ثقة)، قال الذُّهْليُّ: (لم أرَ لعُبيد الله راويةً غير ابن ابنه حجَّاج، أخرج إليَّ جزءًا مِن أحاديث الزُّهريِّ، فوجدتها صحاحًا)، وذكره ابن حِبَّان في «الثِّقات»، علَّق له البُخاريُّ فقط، وأمَّا (جدُّه)؛ فعبيد الله بن أبي زياد الرُّصافيُّ الشاميُّ، صاحب الزُّهريِّ، روى عنه حفيدُه حجَّاج ابن أبي مَنِيع وحده، قال ابن سعد: (كان أخا امرأة هشام بن عبد الملك مِن الرَّضاعة، ولمَّا قدم الزُّهريُّ على هشام بالرصافة؛ لزمه عبيد الله وسمع كتبه، سمعها منه ولده أبو مَنِيع يوسف، وابن ابنه حجَّاج، تُوُفِّيَ سنة ثمان أو تسع وخمسين ومئة، عن نيِّف وثمانين سنةً)، قال مُحَمَّد بن يحيى الذُّهْليُّ: (عبيد الله بن أبي زياد لا أعلم له راويةً غير ابن ابنه حجَّاج)، وذكر ما ذكرته في ترجمة حجَّاج، وقال الدَّارقطنيُّ وغيره: ثقة، علَّق له البُخاريُّ فقط، ذكر الذَّهَبيُّ في «ميزانه»: عبيد الله بن أبي زياد الرُّصافيُّ عن الزُّهريِّ، فقال: (له عنه نسخةٌ، ما روى عنه سوى حفيدِه حجَّاج بن أبي مَنِيع يوسف بن عبيد الله، قال الذُّهْليُّ: هو من رُصافة الشام، لا أعلم له راويًا غير ابن ابنه الحَجَّاج)، وذكر كلامه كما ذكرته، ثُمَّ قال: (فهذا مجهول مُقارِب الحديث، وقال الدَّارقطنيُّ: هو ثقة، قلت: وعلَّق البُخاريُّ له شيئًا في «الطَّلاق»)، انتهى، وقد رأيته في «الثِّقات» لابن حِبَّان، ولم يذكر عنه راويًا سوى الحَجَّاج هذا ابن ابنه، والله أعلم.
          قال شيخنا: (وهذا التعليق رواه الفسويُّ يعقوب بن سفيان في «مُنتخبه»(2) عن حجَّاج به، وليس فيه ذكر للجونيَّة، إنَّما فيه أنَّها كلابيَّة)، ثُمَّ ذكره، وسمَّاها فيه: العالية، ونَسَبَها.


[1] في (أ): (عبد)، وليس بصحيح.
[2] كذا في (أ) وفي المطبوع من مصدره قبل التصحيح، وصُححت إلى (مشيخته) ولعله الصواب فكذا وردت في «هدية العارفين» ░5/452▒.