التلقيح لفهم قارئ الصحيح

باب من أجاز طلاق الثلاث

          قوله: (بَابُ مَنْ أَجَازَ طَلَاقَ الثَّلَاثِ): ساق ابن المُنَيِّر ما في الباب على عادته، ثُمَّ قال: (لزوم الثَّلاث إذا وقعت متفرِّقات لا خلاف فيه، فإن وقعت في كلمةٍ واحدةٍ؛ فالمذهب أيضًا كذلك اللُّزوم، ونَقلُ عدمِ اللُّزوم شاذٌّ عن الحَجَّاج بن أرطاة وابن إسحاق، وإنَّما ساق البُخاريُّ الترجمة؛ للردِّ على المخالف، فذكر أحاديثَ فيها(1) إرسال الثَّلاث دفعةً، وأحاديثَ فيها لزوم الثلاث، ولم يذكرِ الكيفيَّة(2)؛ هل مجتمعات أو متفرِّقات؟ ولمَّا قام الدليل عنده على تساوي الصور؛ كفاه الدليل في بعضها دليلًا في الجميع، والله أعلم، وكأنَّه أثبت حكم الأصل بالنصِّ، وألحق الفرع بقياس نفي الفارق) انتهى، فقوله: (في كلمةٍ واحدةٍ): كذلك الحكم إذا قال: أنتِ طالق، وطالق، وطالق، وقصد الاستئناف، كذا قاله أبو العَبَّاس ابن تيمية، وهي المسألة المعروفة، أمَّا حديث سهل ابن سعد [خ¦5259]؛ ففيه إرسال الثَّلاث دفعةً واحدةً، وأمَّا حديث عائشة في امرأة رفاعة [خ¦5260]؛ ففيه إرسال البتات، وأمَّا الحديث الثَّالث [خ¦5261]؛ ففيه إرسال الثلاث من غير بيان لذكر الكيفيَّة، هل هنَّ مجتمعاتٌ أو متفرِّقاتٌ؟ لكن في (باب التَّبسُّم والضَّحك) من (كتاب الأدب) [خ¦6084]: (إنَّ رفاعة طلَّقني آخر ثلاث تطليقات)، فبان بذلك أنَّها كانت مُتفرِّقات، ولم تكن في كلمة، فلا حجَّة فيه هنا، وكذلك ما ذكره عن ابن الزُّبَير، فيحتمل أن يكون في كلمة أو أكثر، وأن يكون خُلْعًا، وكذا قاله شيخنا فيهما، والكلامُ فيما إذا طلق ثلاثًا بلفظٍ واحد، وكذا إذا قال: أنت طالق، وطالق، وطالق، وقَصَدَ الاستئناف؛ معروفٌ، وللنَّاس في ذلك خلاف، وقد أطال فيها أبو العَبَّاس ابن تيمية الكلام، ولخَّصه ابن قَيِّم الجَوزيَّة في غير مكانٍ مِن كتبه؛ في «الهدْي»، وفي «إغاثة اللَّهفان»، ومذهبهما في المسألة معروفٌ، وقد تكلَّم النَّاس مع ابن تيمية في المسألة، وردُّوا عليه، وقد رأيت في كلام ابن القَيِّم في «معالم المُوقِّعين» أنَّ ابن تيمية له فيها نحوُ ألفي ورقةٍ قال: (وبلغتِ الوجوه التي استدلَّ بها عليها من الكتاب والسُّنَّة وأقوال الصَّحابة والقياس وقواعد إمامه _يعني: أحمد ابن حنبل_ خاصَّة وغيره من الأئِمَّة زهاء ألفين دليلًا)، انتهى.
          وفي عصرنا بلَغَنَا أنَّ الإمام الرَّئيس القاضي برهان الدين ابنُ جماعة قاضي القضاة بدمشق عزَّر مَن أفتى بها مِن الحنابلة، وكان المُعزَّر رجلًا صالحًا، وهو مِن أصحابنا، وممَّن سمع بقراءتي، وسمعت بقراءته، وكذلك بلغنا أنَّه عُزِّر قبلَه بعضُ مُفْتِي الحنابلة عليها ممَّن سمعت عليه حديثًا.
          وتحرَّر في المسألة أربعةُ أقوال: الوقوعُ، وعدمُه _وحكَوه عن الحَجَّاج بن أرطاة، وابن إسحاق، والإماميَّة، وعن جماعةٍ مِن أهل البيت_، ووقوعُ واحدةٍ فقط، الرَّابع: الفرق بين المدخول بها وغيرها؛ فغير المدخول بها تقع واحدة، والمدخول بها الثَّلاث، وفيه حديث في «سنن أبي داود»، ومذهب الأئِمَّة الأربعة: الإمضاء، هذا الذي نعرفه، وحكى ابن القَيِّم عن جدِّ الشيخ _يعني: أبا الرِّكاب عبد السلام ابن تيمية صاحب «المنتقى»، و«المُحرَّر»_ اختيارَه: أنَّه واحدة، قال: (ولا أقلَّ مِن أنْ يكون صاحبَ وجهٍ)، وقد نقل ابن القَيِّم أيضًا أنَّه لم يَسلَم عصرٌ مِن مُخالِف فيها مُطَوَّلًا، والمسألة معروفة، والدَّليل لابن تيمية: حديثٌ في «صحيح مسلم» فانظره إن أردته، والذي نعتقده مذهبُ الجماعة الأكثرين؛ وهو الوقوع، والله أعلم.
          قوله: (وَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ): هو عبد الله بن الزُّبَير بن العَوَّام، الصَّحابيُّ المشهور، ابن الصَّحابيِّ المشهور ☻.
          قوله: (وَقَالَ الشَّعْبِيُّ): تَقَدَّمَ أنَّه بفتح الشين المُعْجَمة، وأنَّه عامر بن شَرَاحِيل مرارًا.
          قوله: (وَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ): هو عبد الله بن شُبرمة بن طُفَيل بن حسَّان، أبو شُبرمة، الضَّبِّيُّ الكوفيُّ القاضي، عالم أهل الكوفة، تابعيٌّ مشهور، تَقَدَّمَ الكلام عليه [خ¦2668]، وقد علَّق له البُخاريُّ، وأخرج له أبو داود، والنَّسَائيُّ، وابن ماجه.
          قوله: (تَزَوَّجُ): هو بفتح التَّاء، محذوف إحدى التَّاءين؛ أي: تتزوَّج، وقد طرأ في أصلنا ضمُّ التاء، فيبقى مبنيًّا للمفعول، وهذا ظاهِرٌ أيضًا جائزٌ.
          قوله: (الزَّوْجُ الآخِرُ(3)): هو بكسر الخاء بالقلم في أصلنا، وطرأ على أصلنا فتحُ الخاء، وهو جائز.


[1] في (أ): (الحديث فيه)، والمثبت من مصدره، ولعله سبق قلم.
[2] في (أ): (الفقيه)، والمثبت من مصدره.
[3] كذا في (أ)، وفي «اليونينيَّة»: (الآخَرُ)؛ بفتح الخاء، وفي (ق) بالضبطين معًا.