التلقيح لفهم قارئ الصحيح

باب ذكر معاوية

          قوله: (بابُ ذِكْرِ مُعَاوِيَةَ بن أبِي سُفْيَان): معاوية بن أبي سفيان صَخْر بن حَرْب بن أميَّة بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصيٍّ، صحابيٌّ ابن صحابيٍّ، وقد تَقَدَّم ذكر أبيه أبي سفيان في أوَّل هذا التعليق [خ¦7]، أمُّ معاوية هندٌ صحابيَّةٌ أيضًا، وهي بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، أسلم معاوية وأبوه وأخوه يزيد وأمُّه هند في فتح مكَّة، وكان معاوية يقول: إنَّه أسلم يوم الحديبية، وكتم إسلامه من أبيه وأمِّه، ترجمته معروفة، فلا نطوِّل بها.
          وقد روى التِّرمذيُّ في «جامعِه» بإسناده إلى(1) عبد الرحمن بن أبي عَمِيرة، وكان من أصحاب النَّبيِّ صلعم أنَّه قال لمعاوية: «اللهمَّ اجعله هادِيًا مهديًّا»، قال التِّرمذيُّ: (هذا حديثٌ غريبٌ)، وروى فيه أيضًا عن عُمير بن سعيد قال: سمعتُ النَّبيَّ صلعم يقول: «اللهمَّ اهدِ به»، انتهى [خ¦3843]، ولم يتكلَّم عليه، وفي «مسند أحمد» من حديث العِرْباض بن سارية قال: سمعتُ رسولَ الله صلعم يقول وهو يدعو إلى السُّحور في شهر رمضان: «هلمُّوا إلى الغداء المبارك»، ثمَّ سمعته يقول: «اللهمَّ علِّم معاوية الكتاب والحساب وقِهِ العذاب»، انتهى، وقصَّة السُّحور في «أبي داود» وغيره، قال ابن عبد البَرِّ في «الاستيعاب»: (إلَّا أنَّ الحارث بن زيادٍ مجهولٌ لا يُعرَف بغير هذا الحديث) انتهى، وكذا قال غيره، ولكنِّي رأيته في «ثقات ابن حبَّان»، غير أنَّه لم يذكر عنه راويًا سوى يونس(2) بن سيف.
          تنبيه: ذكر ابن الجوزيِّ في «الموضوعات» بإسناده إلى إسحاق بن إبراهيم الحنظليِّ _هو ابن راهويه_ أنَّه قال: (لا يصحُّ في فضل معاوية شيء)، وقد قدَّمتُ أنا غير حديثٍ في فضله، ولكنَّ ابن راهويه حافظٌ جليلٌ، لا يقول مثل هذا القول إلَّا عن تروٍّ، وذكر فيها بإسناده إلى عبد الله بن أحمد ابن حنبل قال: (سألت أبي: ما تقول في عليٍّ ومعاوية؟ فأطرق، ثمَّ قال: إيش أقول فيهما؟ اعلم أنَّ عليًّا ◙ [كان] كثير الأعداء، ففتَّش له أعداؤه عيبًا، فلم يجدوا، فجاؤوا إلى رجلٍ قد حاربه وقاتله، فأطرَوه كيادًا منهم له)، انتهى، لعن الله من يبغض معاوية أو أحدًا من الصَّحابة، ورضوان الله عليهم أجمعين.
          توفِّي معاوية في رجب لأربعٍ بقين منه سنة ستِّين، وقيل: عاش ثمانيًا وسبعين سنة، وقيل: أكثر من ذلك، وقبره في دار الإمارة في قِبلة جامع دمشق، وهو الذي يقال: إنَّه قبر هود، وأمَّا القبر الذي خارج الباب الصغير منها؛ فإنَّه قبر معاوية بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، وقد زُرناه غيرَ مرَّةٍ ظنًّا منَّا أنَّه قبر معاوية بن أبي سفيان، وقد رأيتُ ذلك _أعني: أنَّه قبر معاوية بن يزيد_ في كلام أبي العبَّاس ابن تيمية، ونُقل لي عن كلام غيره من أفراخه.


[1] زيد في (أ): (عن).
[2] في (أ): (يوسف)، والمثبت من مصدره، ويونس بن سيف هو الذي روى عن الحارث بن زياد حديث السحور.