التلقيح لفهم قارئ الصحيح

حديث: خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم

          3650- قوله: (حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ: حَدَّثَنَا النَّضْرُ): (إسحاق) هذا: قال الجيَّانيُّ: (وقال _أي: البخاريُّ_ في «الصلاة» [خ¦482]، و«تفسير البقرة» في موضعين [خ¦4516] [خ¦4526]، وفي «الفضائل» [خ¦3650]، و«اللِّباس» [خ¦5786]، و«الأدب» [خ¦6124]، و«خبر الواحد» [خ¦7266]: «حدَّثنا إسحاق: حدَّثنا النَّضر»، نسبه ابنُ السَّكَن في بعض هذه المواضعِ: إسحاق بن إبراهيم، وفي نسخة الأصيليِّ في «الوضوء»: «قال البخاريُّ: حدَّثنا إسحاق ابن منصور: أخبرنا [النضر: أخبرنا] شعبة عن الحَكَم»، فذكر حديثًا [خ¦180]، وقال أبو نصرٍ: النَّضر ابن شميل يروي عن إسحاقَ بنِ إبراهيمَ وإسحاقَ بنِ منصورٍ)، انتهى، وقال المِزِّيُّ في هذا الحديث حين طرَّفه: (عن إسحاق بن إبراهيم)، والظاهر أنَّه وقع له كذلك، وإلَّا؛ فلو كان مِن توضيحه أو توضيح أحدٍ مِنَ المُتَأخِّرين عن البخاريِّ؛ لقال: (يعني: ابن إبراهيم)، أو: (هو ابن إبراهيم)، والله أعلم، وإذا قلنا: إنَّه ابن إبراهيم؛ فهو ابنُ راهويه، أحدُ الأعلامِ المشهورين.
          قوله: (عَنْ أَبِي جَمْرَةَ): هو بالجيم والراء، واسمُه نصرُ بن عِمرانَ الضُّبَعيُّ، و(زَهْدَمُ بْنُ مُضَرِّبٍ) بالدال المهملة، و(مُضَرِّب) بضمِّ الميم، وفتح الضاد المعجمة، وكسر الراء المُشدَّدة، وهذا شيءٌ معروفٌ.
          قوله: (سَمِعْتُ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ): تقدَّم أنَّ (حُصَينًا) بضمِّ الحاء وفتح الصاد المهملَتَين، وهو صحابيٌّ كابنِه عِمران، وقدَّمت أنَّ الأسماءَ بالضمِّ، والكنى بالفتح [خ¦110]، والله أعلم. /
          قوله: (خَيْرُ أُمَّتِي قَرْنِي): الظَّاهر أنَّ ابتداء قرنه ◙ من حين البِعثة، أو من حين فُشوِّ الإسلام، قال ابن قُرقُول: («خيركم قرني»: يعني: أصحابه، وقيل: من كان حيًّا على عهده)، انتهى.
          وقد اختُلف في (القرن) في اللُّغة؛ فقيل: ثمانون سنة، وقيل: ثلاثون، وهذا في «صحاح الجوهريِّ»، وفي «المحكم» ستَّة أقوال فيه: (قيل: عشر سنين، وقيل: عشرون، وقيل: ثلاثون، وقيل: ستُّون، وقيل: سبعون، وقيل: أربعون)، انتهى، وقد روى ابن منده في «الصَّحابة» من حديث عبد الله بن بُسر مرفوعًا: (القرن: مئة سنة)، وقال ابن قُرقُول: (حكى الحربيُّ فيه من عشرة إلى عشرين إلى مئة وعشرين، ثمَّ قال بعد ذكر المقالات: وليس في هذا كلِّه شيءٌ واضحٌ، ورأيي أنَّ القرن كلُّ أُمَّةٍ هلكت فلم يبقَ منها أحدٌ، وقال ابن الأعرابيِّ: القرن: الوقت مِن الزَّمان)، وفي «نهاية ابن الأثير» أقوالٌ في (القرن)؛ منها: مطلقٌ من الزمان.
          فإذن الأقوال المسوقة في (القرن): عشرة، عشرون، ثلاثون، أربعون، ستُّون، سبعون، ثمانون، مئة سنة، مئة وعشرون، مطلقٌ من الزمان؛ عشَرة أقوالٍ، والله أعلم.
          قوله: (خَيْرُكُم قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ): يعني: الصَّحابة ثمَّ التابعين، و(القرن): أهلُ كلِّ زمانٍ، وهو مقدار المتوسِّط في أعمار أهل كلِّ زمان، مأخوذٌ مِن الاقتران، فكأنَّه الزمان الذي يقترن فيه أهلُ ذلك الزمان في أعمارهم وأحوالهم... إلى آخر كلامه، وقال النَّوويُّ في «شرح مسلم»: (إنَّ قرنه ◙: الصَّحابة، و«الذين يلونهم»: التابعون، و«الذين يلونهم»: أتباع التابعين).
          قوله: (قَالَ عِمْرَانُ): هو ابن الحُصَين راوي هذا الحديث، وهذا ظاهرٌ جدًّا.
          قوله: (يَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ): فيه تأويلاتٌ؛ أصحُّها: أنَّه محمولٌ على مَن معه شهادةٌ لآدميٍّ عالم بها، فيشهد بها قبل أن يُطلَب منه.
          والثاني: أنَّه محمولٌ على شاهد الزُّور، فيشهد بما لا أصل له، ولم يُستَشهَدْ.
          والثالث: محمولٌ على مَن ينتصب شاهدًا وليس هو أهلٌ للشهادة.
          والرابع: أنَّه محمولٌ على مَن يشهد لقومٍ بالجنَّة أو بالنار من غير توقيف، وهذا ضعيفٌ.
          وأمَّا الحديث الآخر الصحيح: «ألا أُخبِركم بخير الشُّهداء؟ الذي يأتي بشهادته قبل أن يُسألها»؛ ففي المراد به تأويلان؛ أصحهُما وأشهرهُما تأويل مالك وأصحاب الشافعيِّ: أنَّه محمولٌ على من عنده شهادةٌ لإنسانٍ بحقٍّ ولا يعلم ذلك الإنسان أنَّه شاهد، فيأتي إليه، فيخبره بأنَّه شاهد له، والثاني: أنَّه محمول على شهادة الحِسْبَة، وذلك في غير حقوق الآدميِّين المختصَّة بهم، فممَّا قيل فيه: إنَّه يقبل فيه شهادة الحسبة: الطلاق، والعتق، والوقف، والوصايا العامَّة، والحدود، ونحو ذلك، فمن علم شيئًا من هذا النوع؛ وجب عليه رفعه إلى القاضي وإعلامُه به والشهادة، وكذا النوع الأوَّل يلزم مَن عنده شهادةٌ لإنسانٍ لا يعلمها أن يُعلِمه إيَّاها؛ لأنَّها أمانةٌ له عنده، وحُكي تأويلٌ ثالثٌ: أنَّه محمولٌ على المجاز والمبالغة في أداء الشهادة بعد طلبها لا قبله؛ كما يقال: الجواد يعطي قبل السؤال؛ أي: يعطي سريعًا عقب السُّؤال من غير توقُّف، وبما ذكرته لا تناقض بين الحديث ولا تعارض، ولله الحمد سبحانه.
          قوله: (وَيَنْذُِرُونَ): يقال: نذر ينذِر وينذُر؛ بكسر الذال وضمِّها في المضارع.
          قوله: (وَيَظْهَرُ فِيهِمُ السِّمَنُ): هو بكسر السين، السَّمَانة والسِّمَن: كثرة اللَّحم؛ أي: أنَّه الغالب عليهم، وإن كان فيهم غير سمينٍ؛ فقليلٌ، ألا تراه يكثر؟! وأيضًا فإنَّ هؤلاء يستحسنونه ويكتسبونه خلاف من هو فيه خِلقة.