التلقيح لفهم قارئ الصحيح

باب مناقب عثمان بن عفان

          (بابُ مَنَاقِبِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ ☺)... إلى (مَنَاقِبِ عَلِيٍّ ☺)
          تنبيهٌ: لو قدَّم البخاريُّ ☼ (باب قصَّة البيعة والاتِّفاق على عثمان ☺)؛ كان يكونُ أحسنَ فيما يظهر، ثمَّ يقول: (باب مناقب عثمان ☺)، ويحتمل أنَّما قدَّم المناقبَ؛ لأنَّ بيعتَه وتقديمَه _كما تَقَدَّم_ مِن مناقبه هذه، والله أعلم.
          هو عثمان بن عفَّان بن أبي العاصي بن أميَّة بن عبد شمس بن عبد مَناف بن قُصَيٍّ القُرَشيُّ، يلتقي مع رسولِ الله صلعم في عبد مَناف، أمُّ عثمان أروى بنتُ كُرَيز؛ بضمِّ الكاف، وفتح الراء، وفي آخره زايٌ، وأمُّ أروى أمُّ حَكِيم _بفتح الحاء وكسر الكاف_ البيضاءُ بنتُ عبد المطَّلب عمَّةُ رسولِ الله صلعم، يقال: إنَّها توءَمة عبد الله بن عبد المطَّلب، وقد اختُلِف في ذلك، ولم يُختَلف أنَّها شقيقةُ عبدِ الله وأبي طالب والزُّبيرِ بني عبد المطَّلب، فعثمانُ ابنُ بنتِ عمَّة رسولِ الله صلعم، كنيته أبو عَمرو _كما قال البخاريُّ هنا_ ويُقال: أبو عبد الله، وأبو ليلى، ترجمتُه ☺ معروفةٌ، ومناقبُه جمَّةٌ، يُقال له: ذو النُّورَين؛ لأنَّه تزوَّج بنتَي رسولِ الله صلعم رُقَيَّةَ ثمَّ أمَّ كلثوم، ولا يُعرَف أحدٌ تزوَّج بنتَي نبيٍّ إلَّا هو.
          حُصِر ☺ في ذي الحجَّة سنة خمسٍ وثلاثين عشرين يومًا في داره، وقُتِل فيها، فقيل: لثماني عشرة خلون مِن ذي الحجَّة، وحُكِيَ الإجماع عليه، وقيل: يوم التروية، وحُكِيَ عليه الإجماع، وقيل غير ذلك، وقال الواقديُّ: (حصروه تسعةً وأربعين يومًا)، وقال الزُّبير: (حصروه شهرين وعشرين يومًا)، اختُلِفَ في قاتله؛ فقيل: جَبَلة بن الأيهم، وقيل: رُومان رجلٌ من بني أسد، وقيل: سُودان بن حُمران، وقيل غير ذلك، وفي «الاستيعاب» في ترجمته ☺: (اختُلِف فيمن باشر قتلَه بنفسِه؛ فقيل: محمَّد بن أبي بكرٍ ضربه بمِشْقَص، وقيل: بل حبسه محمَّدُ بن أبي بكرٍ، وأشعره غيرُه، وكان الذي قتله سودان بن حُمران، وقيل: بل وَلِيَ قتلَه رومانُ اليمانيُّ، وقيل: بل قتله رومان رجلٌ من بني أسد بن خزيمة، وقيل: إنَّ محمَّد بن أبي بكر أخذ بلحيته فهزَّها وقال: ما أغنى عنك معاوية؟ وما أغنى عنك ابن أبي سَرْح؟ وما أغنى عنك ابن عامر؟ فقال له: يا ابنَ أخي؛ أرسِلْ لحيتي، فوالله إنَّك لتجبذُ لحيةً كانت تعزُّ(1) على أبيك، وما كان أبوك يرضى مجلسك هذا منِّي، فيقال: إنَّه حينئذٍ تركه وخرج عنه، ويقال: إنَّه حينئذٍ أشار إلى مَن معه، فطعنه أحدُهم، فقتلوه...)، إلى أن قال: (فقلت لكِنانة: مَن قتله؟ _أي: قتل عثمان_ قال: قتله رجلٌ مِن أهل مِصر يقال له: جَبَلة بن الأيهم)، انتهى، وفي «التذكرة» للقرطبيِّ: (دخل كنانةُ بن بشر عليه، وأشعره مِشْقَصًا؛ أي: قتله به، وقيل: ذبحه رجلٌ مِن أهل مِصر يقال له: حمار، وقيل: ذبحه رومان، وقيل: قتله الموت الأسود، ويقال له: الدم الأسود، وقيل: لم يتعيَّن له قاتلٌ).
          قوله: (مَنْ يَحْفِرْ بِئْرَ رُومَةَ): تَقَدَّم الكلام على هذه الرِّواية: (من يحفر)؛ لأنَّه لم يحفرها، وعلى (رومة)، وبكم اشتراها، والخلاف فيه في (الوقف) مطوَّلًا [خ¦2778].
          قوله: (مَنْ جَهَّزَ جَيْشَ الْعُسْرَةِ): هم جيش تبوك، وسيجيء الخلاف في عددهم [خ¦64/78-6355]، وقد ذكرت في (الوقف) بكم جهَّزهم [خ¦2778]، وهو بتسع مئة وخمسين بعيرًا وبخمسين فرسًا، قاله ابن عبد البَرِّ، ثمَّ قال: (عن أسد بن موسى: حدَّثني أبو هلال الراسبيُّ: حدَّثنا قتادة قال: حمل عثمان في جيش العُسرة على ألف بعيرٍ وسبعين فرسًا)، وفي «التِّرمذيِّ»: عن عبد الرحمن بن خبَّاب السُّلميِّ الصَّحابيِّ قال: (شهدت النَّبيَّ صلعم وهو يحثُّ على جيش العُسرة، فقال عثمان بن عفَّان: يا رسول الله؛ عليَّ مئة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله، ثمَّ حثَّ على الجيش، فقال عثمان: يا رسول الله؛ عليَّ مئتا بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله، ثمَّ حضَّ على الجيش، فقال عثمان: يا رسول الله؛ عليَّ ثلاث مئة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله، فأنا رأيتُ رسول الله صلعم ينزل عن المنبر وهو يقول: / «ما على عثمان ما عمل بعد هذه»، رواه التِّرمذيُّ بإسناد جيِّد، وفيه أيضًا عن عبد الرحمن بن سَمُرة قال: (جاء عثمان إلى النَّبيِّ صلعم بألف دينارٍ حين جهَّز جيش العُسرة، فنثرها في حجره، فقال ◙: «ما ضرَّ عثمان ما عمِل بعد اليوم»، رواه التِّرمذيُّ وقال: (حديثٌ حسنٌ)، وما قاله أبو عمر ما أخذه إلَّا من حديثٍ، ولا تنافيَ بينه وبين ما في «التِّرمذيِّ»، ولا ما ذكره عن أسد بن موسى بسنده عن قتادة.
          تنبيه: في «مسند أبي يَعلى الموصليِّ» [خ¦852] بسنده: أنَّ عثمان جهَّز جيش العُسرة، وجاء بسبع مئة أوقيَّة ذهب، انتهى.
          تنبيهٌ ثانٍ: ذكر ابنُ عَدِيٍّ في ترجمة إسحاقَ بنِ إبراهيمَ الثَّقفيِّ بعد أن قال فيه: (روى عن الثِّقاتِ ما لا يُتابَع عليه): (حدَّثنا أبو يَعلى: حدَّثنا عَمَّارٌ أبو ياسرٍ: حدَّثنا إسحاقُ بنُ إبراهيمَ، [حدَّثَنا أبو إسحاقَ الهَمْدانيُّ]، عن أبي وائلٍ، عن حذيفةَ: أنَّ النَّبيَّ صلعم بعث إلى عثمان يستعينه في غزاةٍ غزاها، فبعث إليه عثمانُ بعشرة آلاف دينارٍ، فوضعها بين يديه...)؛ الحديث، انتهى، ذكره الذَّهبيُّ في «ميزانه» في ترجمة إسحاق بن إبراهيم الثَّقَفيِّ، وأبو يَعلى: هو المَوْصِليُّ الحافظُ، وعَمَّارٌ أبو ياسر: هو عَمَّار بن نصر السَّعْديُّ المروزيُّ، نزيلُ بغدادَ، قال ابنُ مَعِينٍ: (عَمَّار أبو ياسرٍ المستملي ليس بثقةٍ)، وقال موسى بن هارون: (عَمَّار أبو ياسرٍ متروكٌ)، وقال الخطيب: (لعلَّ هذا القولَ منهما في عَمَّار بن هارون)، وقال أبو أحمدَ الحبيبيُّ: (سألتُ صالحًا جزرة عن أبي ياسرٍ عَمَّارِ بنِ نصرٍ، فقال: لا بأسَ به، كان ابنُ مَعِين سيِّئَ الرأيِ فيه)، قال الخطيبُ: (ورُوِيَ عنِ ابنِ مَعِين توثيقُه)، انتهى كلام «الميزان»، وباقي السند مشهور(2)، والله أعلم.


[1] في (أ): (يعز).
[2] في (أ): (مشهوران).