التلقيح لفهم قارئ الصحيح

باب ذكر أصهار النبي

          قوله: (بابُ ذِكْرِ أَصْهَارِ النَّبِيِّ صلعم): إن قلتَ: لم يذكر فيها إلَّا أبا العاصي بن الرَّبيع نصًّا، وليس فيها ذكر غيره إلَّا أنَّ عليًّا لمَّا ترك الخِطبة شفقًا من قلبه ◙ لقلب فاطمة؛ فاستلزم ذلك الثناءَ عليه، وليس فيه ذكرُ غيرهما، فأين الأصهار؟ فإنَّه بقي منهم عثمان.
          ثمَّ اعلم أنَّ (الأصهار) أهل بيت المرأة، عن الخليل، ومن العرب من يجعل الصِّهر من الأحماء والأخْتان جميعًا، فالأصهار: أقرباء الرجل والمرأة الزوجين، والأخْتان: أقرباء المرأةِ الزوجةِ، والأحماء: أقرباء الرجل الزوج.
          وكأنَّ البُخاريَّ ☼ أراد الحديث الذي ذكره ابنُ عبد البَرِّ في «الاستيعاب» في ترجمة عثمان، ولفظه: وثبت عن رسول الله صلعم أنَّه قال: «سألت ربِّي ╡ ألَّا يُدخِل النَّارَ أحدًا صاهر إليَّ أو صاهرتُ إليه»، وهو حديث رواه الحاكم في «المستدرك» في (مناقب عليٍّ) ولفظه: «سألت ربِّي ألَّا أُزوِّج أحدًا من أُمَّتي ولا أتزوَّج إلَّا كان معي في الجنَّة، فأعطاني»، صحيح، وسكت عليه الإمام الذَّهبيُّ في «تلخيصه»، فيكون البُخاريُّ قصد بهذا التبويب هذا الحديث، وكأنَّه لم يكن على شرطه، أو أنَّه لم يقع له روايته، فترجم عليه، وأخرج ما هو على شرطه.
          وقد روى الطبراني في «معجمَيه الصغير والأوسط» من حديث عبد الله بن عمرو، ولفظه: قال رسول الله صلعم: «إنِّي سألت ربِّي ألَّا أتزوَّج إلى أحدٍ ولا يتزوَّج إليَّ أحدٌ إلَّا كان معي في الجنَّة، فأعطاني ذلك»، قال الطبرانيُّ: (لم يروِه عن هشام _يعني: ابن عروة_ إلَّا عَمَّار _يعني: ابن سيف_ ولا عنه إلَّا يزيد _يعني: ابن الكُمَيت_ تفرَّد به محمَّد) يعني: محمَّد بن أبي النُّعمان الكوفيَّ، وذكر مِن حديث عبد الله بن أبي أوفى: قال رسول الله صلعم: «سألت ربِّي ألَّا أتزوَّج إلى أحدٍ ولا أُزَوَّج إليه إلَّا كان [معي] في الجنَّة، فأعطاني ذلك»، قال الطبرانيُّ: (لم يروِه عن إسماعيل _يعني: ابن أبي خالد_ إلَّا عَمَّار _يعني: ابن سيف_ ولا عنه إلَّا قَبِيصة _يعني: ابن عقبة_ تفرَّد عنه ابنه) يعني: عقبة بن قَبِيصة بن عقبة، انتهى، في سند الطبراني الأوَّل: يزيد بن الكُمَيت متروكٌ، وفيه: محمَّد بن أبي النُّعمان الكوفيُّ ما عرفتُه أنا، وفيه: عَمَّار بن سيف مُختَلفٌ فيه، والسند الثاني جيِّدٌ إلَّا أنَّ فيه عَمَّارًا، وهو سندٌ حسنٌ، والله أعلم.
          قوله: (مِنْهُمْ أَبُو الْعَاصِي بْنُ الرَّبِيعِ): اختُلِف في اسم (أبي العاصي)، وقد قدَّمتُه [خ¦516]؛ فقيل: لَقِيط _وهو الأصحُّ، وقيل: مِهْشَم، وقيل: هُشَيم، وقيل: قاسم، وقيل: مِقْسَم_ بن الربيع _على الصواب وقيل: ربيعة_ بن عبد العُزَّى بن عبد شمس العبْشميُّ، وهو ابن أخت خديجة بنت خويلد أمِّ المؤمنين، أمُّه هالة بنت خويلد صحابيَّةٌ جليلة ♦، أُسِر أبو العاصي يوم بدر، فمُنَّ عليه بلا فداء؛ كرامةً لرسول الله صلعم بسبب زينب، ثمَّ أسلم قُبيل الفتح _وسيأتي غير ذلك_ وحسن إسلامه، وردَّ ◙ إليه زينب بنكاح جديد، ويقال: بالنِّكاح الأوَّل، وتوفِّيت زينب عنده، وقد قدَّمتُ تاريخ وفاتها [خ¦167]، وتوفِّي هو سنة عشرين من الهجرة، وفي «أبي داود» من طرقٍ إلى ابن إسحاق، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عبَّاس ☻ قال: (ردَّ رسول الله صلعم ابنته زينب على أبي العاصي بالنكاح الأوَّل، لم يُحْدِث شيئًا)، قال محمَّد بن عمرو في حديثه: (بعد ستِّ سنين)، وقال الحسن بن عليٍّ: (بعد سنتين)، سكت عليه أبو داود، قال الخطابيُّ: (إنَّ صحَّ الحديث؛ فيُحتَمل على أنَّ العدَّة تمادَّت بزينب إلى وقت إسلام أبي العاصي، فأُقِرَّا على النكاح، وأمَّا تزويج النَّبيِّ صلعم إيَّاها منه وهو كافرٌ وهي مسلمة؛ فكان قبل نزول قوله تعالى: {وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ}[البقرة:221] فلمَّا أسلم؛ ردَّها إليه؛ لاجتماعهما على الإسلام)، انتهى، قال ابن حزم: (كان إسلام أبي العاصي قبل نزول تحريم المسلِمة على المشرِك، وقبل الحديبية، وكان إسلامها قبلُ بأزيدَ من ثماني عشرة سنة) انتهى.