التلقيح لفهم قارئ الصحيح

حديث: هل خضب النبي؟قال: لا إنما كان شيء في صدغيه

          3550- قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه الفضل بن دُكَين الحافظ، وتَقَدَّمَ مُتَرْجَمًا [خ¦52]، وكذا تَقَدَّمَ (هَمَّامٌ): أنَّه ابنُ يحيى العَوْذيُّ، وتَقَدَّمَ مُتَرْجَمًا [خ¦219].
          قوله: (سَأَلْتُ أَنَسًا: هَلْ خَضَبَ رَسُولُ اللهِ صلعم؟ قَالَ: لَا): هذا صريحٌ في أنَّه ╕ لَمْ يخضب، وهذا قد أجاب عنه الإمامُ أبو عبدِ الله أحمدُ بن مُحَمَّد بن حنبل وقال: (قد شهد غيرُ أنسٍ على رسول اللهِ صلعم أنَّه خَضَب، وليس مَن شهد بمنزلة مَن لَمْ يشهد)، فأحمدُ ☼ أثبت خِضابَ النَّبيِّ صلعم، ومعه جماعةٌ من المحدِّثين، ومالكٌ ☼ أنكره، وممَّا يُستدَلُّ به لأحمدَ ومَن وافقه حديثٌ رواه البُخاريُّ في «صحيحه» عن عثمان بن عبد الله بن مَوْهب قال: (دخَلْنَا على أمِّ سَلَمة، فأخرجت إلينا شَعرًا مِن شَعر رسول اللهِ صلعم، فإذا هو مخضوبٌ) [خ¦5897]، وقد أخرجه ابنُ ماجه في «سُننه» بزيادة: (مخضوبًا بالحِنَّاء والكَتَم) انتهى.
          قال السُّهَيليُّ في «روضه» في (غزوة الفتح) _وقد ذكر حديث ابن مَوْهب عن أمِّ سلمة_ ما لفظه: (فإن قيل: فهذا يدلُّ على أنَّه كان مخضوبَ الشيب، وقد صحَّ من حديث أنسٍ وغيرِه أنَّه لَمْ يكن ╕ / بلغ أنْ يخضبَ، إنَّمَا كانت شَمطات تُعَدُّ، والجواب: أنَّه لمَّا تُوُفِّيَ؛ خضب مَن كان عنده شيءٌ مِن شَعره تلكَ الشَّعرات؛ ليكون أبقى لها، كذلك ذكره الدَّارَقُطْنيُّ في «أسماء رجال المُوَطَّأ» له)، انتهى(1)، وهذا الذي ذَكَرَه لا يتأتَّى له في الأحاديث التي سأذكرها الآن، ولمَّا ذكر النَّوويُّ في «شرح مسلم» كلامَ القاضي عياض، وذِكْرَه خلافَ العلماء في أنَّه ╕ خَضَب أم لا؛ قال عقيبه: (والمختار: أنَّه صلعم صبغ في وقتٍ، وتركه في معظم الأوقات، فأخبر كلٌّ بما رأى، وهو صادقٌ، وهذا التأويل كالمتعيِّن، فحديث ابنِ عُمَرَ [في «الصحيحين»، ولا يمكن تركه، ولا تأويلَ له، والله أعلم)، انتهى، وحَدِيثُ ابنِ عُمَرَ](2) المشار إليه: (أنَّه رأى النَّبيَّ صلعم يصبغ بالصُّفرة) [خ¦166].
          وقد روى التِّرْمِذيُّ عن أبي رِمْثة: قال: (أتيتُ النَّبيَّ...)، وفيه: (وعليهِ ثوبانِ أخضرانِ، وله شعرٌ قد علاه الشَّيبُ، وشيبه أحمر)، أخرجه التِّرْمِذيُّ وأبو داود والنَّسائيُّ ولكن مختصرًا بغير ذكر الخِضاب، ورواه النَّسائيُّ أيضًا في (الزينة) بقصَّة خِضابه بالحنَّاء عن عَمرو بن عليٍّ، عن عبد الرَّحْمَن، عن سفيان، عن إيَاد بن لقيط، وأخرجه أيضًا مختصرًا.
          ورَوى أيضًا التِّرْمِذيُّ في «الشمائل»، وأبو داود، والنَّسائيُّ، من حديث أبي رِمثة أيضًا قال: أتيتُ النَّبيَّ صلعم مع ابن لي، فقال: «ابنك؟» قلت: نعم؛ اشهدْ به، قال: «لا يجني عليك، ولا تجنِ عليه»، ورأيت شيبه أحمرَ، قال التِّرْمِذيُّ في «الشمائل»(3): (هذا أحسنُ شيءٍ رُويَ في هذا الباب وأَفْسَرُه؛ لأنَّ الرواياتِ الصحيحةَ: أنَّ النَّبيَّ صلعم لَمْ يبلغ الشيب) [خ¦44]، ورَوى التِّرْمِذيُّ أيضًا في «الشمائل» عن أبي هريرة ☺: هل خَضَب رسول الله صلعم؟ قال: نعم [خ¦45]، وقد ذكر في «الشمائل»(4) غير ما ذكرت(5)؛ فانظره في (باب ما جاء في خِضاب رسول الله صلعم) [خ¦44] [خ¦47].
          قال ابنُ قَيِّمِ الجَوزيَّة الحافظُ شمسُ الدين: (فإن قيل: فقد ثبت في «مسلم» النهيُ عن الخِضاب بالسَّواد في شأن أبي قحافة والدِ أبي بكرٍ لمَّا أُتِيَ به ورأسُه ولحيتُه كالثَّغَامة بياضًا، قال: «غيِّروا هذا بشيءٍ، وجنِّبوه السَّوادَ»، والكَتَم يسوِّد الشَّعر، وجوابه من وجهين: أحدهما: أنَّ النهيَ عن التسويد البحتِ، فأمَّا إذا أضيف إلى الحنَّاءِ شيءٌ آخَرُ كالكَتَم ونحوه؛ فلا بأسَ به، فإنَّ الكَتَم والحنَّاء يجعل الشَّعر بين الأحمر والأسود، بخلاف الوَسْمَة، فإنَّها تجعله أسودَ فاحمًا، وهذا أصحُّ الجوابين، الثاني: أنَّ الخِضاب بالسواد المَنْهيَّ عنه خضابُ التدليس؛ كخضاب شعر الجارية والمرأة الكبيرة تغرُّ الزوج والسيِّد بذلك، وخِضاب الشيخ يغرُّ(6) المرأة بذلك؛ فإنَّه من الغشِّ والخداع، فأمَّا إذا لم يتضمَّن تدليسًا ولا خداعًا؛ فقد صحَّ أنَّ الحسن والحُسين كانا يخضبان بالسواد، وصحَّ عن غيرهما أيضًا).
          تنبيهٌ: قد ظنَّ بعضُ الناس أنَّ الكَتَم هو الوسمة؛ وهي(7) ورق النيل، وهذا وَهَمٌ؛ فإنَّها غير الكَتَم، ومن أراد الوقوف على ذلك؛ فلينظر «صحاح الجوهريِّ» وغيرَه، قال الجوهريُّ: (والكَتَم؛ بالتحريك: نبتٌ يُخلَط بالوَسْمَة يُختَضَب به).


[1] (انتهى): ليس في (ب)، «الروض الأُنُف» ░4/100▒.
[2] ما بين معقوفين سقط من (ب).
[3] (في «الشمائل»): سقط من (ب).
[4] زيد في (ب): (أيضًا).
[5] في (ب): (ذكرته).
[6] في (ب): (يغتر).
[7] في (ب): (وهو).