التلقيح لفهم قارئ الصحيح

حديث: لما نزلت آية الصدقة كنا نحامل

          1415- قوله: (عَنْ سُلَيْمَانَ): هذا هو الأعمشُ سليمان بن مِهران، أبو محمَّد الكاهليُّ، تقدَّم مرارًا.
          قوله: (عَنْ أَبِي وَائِلٍ): تقدَّم مرارًا أنَّه شقيق بن سلمة، وتقدَّم مُتَرجَمًا [خ¦48].
          قوله: (عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ): هو عقبة بن عمرو الأنصاريُّ البدريُّ، وسيأتي الكلام على عدِّه من أهل بدر [خ¦4006]، وإنَّما كان ينزل بدرًا فنُسِب إليها، شهد العقبة الثانية، تقدَّم مُتَرجَمًا ☺ [خ¦55].
          قوله: (نُحَامِلُ): بضمِّ النُّون، وكسر الميم، أي: نحمل على ظهورنا لغيرنا.
          قوله: (فَجَاءَ رَجُلٌ فَتَصَدَّقَ بِشَيْءٍ كَثِيرٍ): هذا الرَّجل هو عبد الرَّحمن بن عوف، تصدَّق بنصف ماله، وكان ماله(1) ثمانيةَ آلاف دينار، قاله شيخنا عن ابن التِّين، ثمَّ قال: (وسيأتي في «التَّفسير»: أنَّه أربعة آلاف درهم أو أربع مئة دينار)، انتهى.
          وهذا القدر ذكره ابن عبد البَرِّ في ترجمة أبي عَقِيل أيضًا في حقِّ عبد الرَّحمن بن عوف، قال: (وأتى عاصم بن عديٍّ بمئة وَسْق تمر، فلمزهما المنافقون، وقالوا: هذا رياء، فنزلت: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ}[التوبة:79])، قال شيخنا: (وفي «أسباب الواحديِّ»: أنَّه ╕ حثَّ على الصَّدقة، فجاء عبد الرَّحمن بن عوف بأربعة آلاف درهم شطر ماله يومئذٍ، وتصدَّق يومئذٍ عاصم بن عديِّ بن عجلان بمئة وَسْق من تمر، وجاء أبو عَقِيل بصاع من تمر، فلمزهم المنافقون، فنزلت هذه الآية).
          فائدة: فيما وقفت عليه من صدقات عبد الرَّحمن بن عوف: تصدَّق مرَّةً بشطر ماله، أربعة آلاف دينار، أو أربعة آلاف درهم، أو أربع مئة دينار، كما تقدَّم أعلاه، ثمَّ بأربعين ألفًا، ثمَّ بأربعين ألف دينار، ثمَّ تصدَّق بخمس(2) مئة فرس في سبيل الله، ثمَّ خمس مئة راحلة، وفي «التِّرمذيِّ»: (أنَّه أوصى لأمَّهات المؤمنين بحديقة بيعت بأربع مئة ألف)، قال التِّرمذيُّ: (حديث حسن)، وقال عروة بن الزُّبير: أوصى عبد الرَّحمن بن عوف بخمسين ألف دينار في سبيل الله، وقال الزُّهريُّ: أوصى عبد الرَّحمن بن عوف لمن بقي من أهل بدر لكلِّ رجل بأربع مئة دينار، وكانوا مئة، فأخذوها، وأخذها عثمان فيمن أخذ، وأوصى بألف فرس في سبيل الله، وفي «الشفا» لعياض: (أنَّه تصدَّق بسبع مئة بعير، وَرَدَتْ عليه تحمل(3) من كلِّ شيء، فتصدَّق بها وما عليها وأحلاسها وأقتابها)، انتهى، وفي «المستدرك» في ترجمته عن جعفر بن بُرقان قال: (بلغني أنَّ عبد الرَّحمن أعتق ثلاثين ألف بيت)، انتهى، هذا ما وقفت عليه من صدقاته، فإنْ رأيت أيُّها الواقف زيادةً على ذلك؛ فألحِقْه، والله أعلم.
          قوله: (فَجَاءَ رَجُلٌ فَتَصَدَّقَ بِصَاعٍ): هذا الرَّجل هو أبو عَقِيل، كما جاء في «البخاريِّ» في(4) (سورة براءة) [خ¦4668]، وهو بفتح العين، وكسر القاف، واسمه حثحاث، كذا سمَّاه قتادة، قاله ابن عبد البَرِّ في «استيعابه»، وقال(5) شيخنا: (وقيل: اسمه عبد الرَّحمن بن نيحاز الأنصاريُّ)، انتهى، وقال الذَّهبيُّ في «تجريده»: (عبد الرَّحمن بن سيحان، وقيل: ابن تيحان(6) الذي تصدَّق بالصَّاع، فلمزه المنافقون) انتهى، وقال بعض حفَّاظ المصريِّين: (وقيل: اسمه _يعني: أبا عَقِيل_ جثجاث، بجيمين وثاءين مثلَّثتين، حُكِي ذلك عن قتادة، وقيل: أوَّله حاء مهملة)، وقال الذَّهبيُّ: (سهل بن رافع بن خديج البلويُّ، قيل: هو صاحب الصَّاع الذي لمزه المنافقون، وقيل: هو الآتي بعده)، فذكر بعده(7): (سهل بن رافع بن أبي عمرو بن عائذ)، انتهى، وقيل: الملموز: رفاعة بن سهل، وهذا لا أعرفه في الصَّحابة، وقال السُّهيليُّ عقيب (غزوة تبوك) في إنزال (سورة براءة) ما لفظه: (وذكر أبا عقيل صاحب الصَّاع الذي لمزه المنافقون، واسمه جثجاث، وقد قيل في صاحب الصَّاع: إنَّه رفاعة بن سهل)، انتهى، وفي «مسلم» في حديث كعب بن مالك في (كتاب التوبة): (أنَّ صاحب الصاع الذي تصدَّق به ولمزه المنافقون هو أبو خيثمة)، انتهى، وأبو خيثمة هذا: اسمه عبد الله بن خيثمة، وقيل: مالك بن قيس، قاله بعض الحفَّاظ، كما قاله النَّوويُّ في «شرح مسلم»، انتهى، وليس في الصحابة ممَّن يكنى بأبي خيثمة إلَّا اثنان، أحدهما هذا، والآخر: عبد الرَّحمن بن أبي سبرة الجعفيُّ، بقي أبو خيثمة المذكور في حديث كعب إلى خلافة يزيد، انتهى.
          فتحصَّلنا على خمسة أقوال في صاحب الصَّاع: هل هو أبو عقيل كما في «البخاريِّ» [خ¦4668]، أو أبو خيثمة كما في «مسلم»، أو سهل بن رافع بن خديج، أو سهل بن رافع بن أبي عمرو، أو رفاعة بن سهل، وهذا لا أعرفه في الصحابة، ويحتمل أنَّ كلًّا من هؤلاء جاء بصاع، فتصدَّق به، والله أعلم.
          وفي «مبهمات ابن شيخنا العراقيِّ»(8): (حديث أبي مسعود: «لمَّا(9) أمرنا رسول الله صلعم بالصدقة؛ تصدَّق أبو عَقِيل بنصف صاع، وجاء رجل بأكثر منه، فقال المنافقون...» الحديث [خ¦4668]: الرجل الذي لمزه المنافقون اسمه سهل، «ط»(10): الملموز لمَّا تصدَّق بالصَّاع هو أبو عَقِيل، واسمه عبد الرَّحمن بن سيحان، أحد بني أنيف، روى عنه ابن عبَّاس، قلت: وفي «المتَّفِق والمفتَرِق» للخطيب في ترجمة زيد بن أسلم عن الواقديِّ: جاء زيد بن أسلم العجلانيُّ بصدقة ماله(11)، فقال مُعتِّب بن قُشَير وعبد الرَّحمن بن نَبتل: إنَّما أراد الرِّياء، فأنزل الله: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ}؛ الآية[التوبة:79])، انتهى، ففي هذا تعيين القائلين، فابن(12) قُشَير معدود في المنافقين، ولم أرَ عبد الرَّحمن بن نَبْتَل فيهم، إنَّما وقفت منهم(13) على عبد الله بن نَبْتَل، انتهى.
          قوله: (وَجَاءَ رَجُلٌ فَتَصَدَّقَ بِصَاعٍ): قال الدِّمياطيُّ: (رواه في «التفسير» من حديث غُندَُر عن شعبة، وفيه: «نصف صاع» [خ¦4668]، وكذلك(14) رواه مسلم من حديث [غندر، وسعيد بن الربيع، وأبي] داود؛ كلُّهم عن شعبة)، انتهى.


[1] (وكان ماله): سقط من (ب).
[2] في (ب): (خمس).
[3] في (ب): (بحمل).
[4] (في): ليس في (ب).
[5] زيد في (ب): (الذهبي).
[6] في (ب) و(ج): (تيمان)، وهو تحريف، وفي مصدره: (سحان)، وكذا قال ابن الأثير في «أسد الغابة» ░3/353▒ ░3323▒: (عبد الرحمن بن سيحان، وقيل: ابن سحان).
[7] في (ب): (بعد).
[8] زيد في (ج): (في).
[9] في (ب): (كما).
[10] (سهل «ط»): سقط من (ب)، والمراد بالمرموز له: ابن طاهر صاحب كتاب «إيضاح الإشكال»، كما بيَّنه ابن العراقيِّ في مقدمة كتابه «المستفاد» ░1/94▒.
[11] في (ج): (بماله).
[12] في (ب) و(ج): (ابن).
[13] في (ب): (وإنما وقفت فيهم).
[14] في (ب): (ولذلك).