التلقيح لفهم قارئ الصحيح

حديث: أرب ماله تعبد الله ولا تشرك به شيئًا

          1396- قوله: (عَنِ ابْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَوْهَبٍ): (ابن عثمان) هذا: هو محمَّد، وكذا جاء التصريح به في بعض النسخ، وهو في نسخة في هامش أصلنا، وعليها علامة راويها، وهو محمَّدُ بن عثمان بن عبد الله بن مَوْهَب؛ بفتح الميم والهاء، وَوَاوٍ ساكنةٍ، ثمَّ موحَّدة، يروي عن موسى بن طلحة، وعنه: شعبة مقرونًا بأبيه عثمان في الطَّريق الثانية، ومفردًا في الأولى، وهذا من أوهام شعبة، وقال يحيى القطَّانُ وعبدُ الله بن نُمَير وجعفرُ بن عون وآخرون: (عن عمرو بن عثمان بن عبد الله بن مَوْهَب)، وقال بعضُهم: بل عَمرو أخٌ لمحمَّدٍ، وقال البخاريُّ عقيب الحديث: (أَخْشَى أَنْ يَكُونَ «مُحَمَّدٌ» غَيْرَ مَحْفُوظٍ، إِنَّمَا هُوَ عَمْرٌو) انتهى، وقد ساق مسلمٌ الحديثَ [عن محمَّد بن عبد الله بن نُمَير] عن عبد الله بن نُمَير: حدَّثنا عمرو بن عثمان، ثمَّ طرَّقه عن شعبة: حدَّثنا محمَّد بن عثمان بن عبد الله بن مَوْهَب وأبوه عثمان، قال الكلاباذيُّ وجماعاتٌ من أهل هذا الشأن: (هذا وهم من شعبة، فإنَّه(1) كان يسمِّيه محمَّدًا، وإنَّما هو عَمرٌو)، انتهى، أخرج لمحمَّدٍ هذا البخاريُّ، ومسلمٌ، والنَّسائيُّ، وقد قدَّمتُ أنَّ جماعةً قالوا: إنَّما هو عَمرٌو، لا محمَّد، وهو الصحيح، والله أعلم.
          قوله: (عَنْ أَبِي أَيُّوبَ): تقدَّم أنَّه خالدُ بن زيد الأنصاريُّ، صحابيٌّ مشهورُ الترجمة، وقد قدَّمت بعضَها، ☺ [خ¦144].
          قوله: (أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صلعم): هذا الرَّجل هو سعد، كما قاله ابن الأثير، وفي «الطَّبرانيِّ» من حديث المغيرة بن سعد بن الأخرم عن عمِّه: أنَّه سأل، قاله شيخنا، وقال(2) ابن شيخنا البلقينيِّ: (هذا الرَّجل أو الأعرابيُّ لعلَّه عبد الله بن الأخرم، وقيل فيه: سعد بن الأخرم، قال في «أسد الغابة»: سعد بن الأخرم مُختلَفٌ في صحبته)، ثمَّ ذكر ابن شيخنا مُستنَده منها، ثمَّ قال: (وفي «الطَّبرانيِّ» من حديث المغيرة بن سعد بن الأخرم عن عمِّه: أنَّه سأل)، ثمَّ ذكر(3) مستنده من «الأُسْد» في أنَّه عبد الله، ثمَّ قال: (وفي «الأُسْد»: صخر بن القعقاع...)؛ فذكر قصَّةً تُشْبه هذه، ثمَّ قال: (فهذا يحتمل أيضًا أن يُفسَّر به ما تقدَّم)، ثمَّ قال: (ونُقِل لي عن الصريفينيِّ: أنَّه روى الحديث من طريق أبي أيُّوب، وقال فيه: إنَّ وافد بني المُنتفِق قال... الحديث، فعلى هذا؛ يكون الرجل لقيط ابن عامر، ويقال: لَقِيط بن صَبِرَة)، انتهى، وقال بعض أصحابنا: (اسمه لقيط بن صبرة، وإنَّه وافد بني المُنتفِق)، ثمَّ قال: (كتبته من خطِّ الصريفينيِّ)، قال: (وعن ابن السَّكن في «الصحابة»: هو ابن المُنتفِق، رجلٌ من قيس)، قال: (وغلط ابن قتيبة في «غريب الحديث» حيث جعل السائل أبا أيُّوب، وإنَّما هو الرَّاوي عنه)، انتهى.
          قوله: (أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي): هو بجزم(4) (يدخلْني) جواب، وفي أصلنا: مرفوع بالقلم، وهو جائز.
          قوله: (مَا لَهُ؟ مَا لَهُ؟): استفهامٌ مُكرَّرٌ.
          قوله: (أَرِبٌ(5)، مَا لَهُ؟): كذا في أصلنا؛ مُدلَّس الرَّاء، منوَّن الباء، مرفوعٌ، قال ابن قُرقُول: («أرِبَ، ما له؟»، ويروى: «أرِبٌ، ما له؟» اسم فاعل / على مثل «حَذِر»، ورواه بعضهم: «أَرَبٌ ما له»، ورواه(6) أبو ذرٍّ(7): «أرَبَ، ما له؟»؛ بفتح الهمزة والرَّاء والباء.
          فمن كسر الرَّاء؛ جعله فعلًا، معناه: احتاج، فسأل(8) عن حاجته، قاله ابن الأعرابيِّ، وقد يكون بمعنى: تفطَّن لِما سأل عنه وعقل، يقال: أرِبَ؛ إذا عقل، أَرَبًا وإِرْبَةً، فهو أريبٌ، وقيل: تعجَّب من حرصه، ومعناه: لله درُّه! قاله ابن الأنباريِّ، أي: فَعَل فِعْل العقلاء في سؤاله عمَّا جهله، وقيل: هو دعاءٌ عليه، أي: سقَطَت آرابُه، وهي: أعضاؤه، واحدها: إرْبٌ، كما قال: «تَرِبَتْ يمينُك» [خ¦6031]، و«عَقْرى حَلْقى» [خ¦1561]، وليس المراد وقوعَ هذا الدُّعاء، لكنَّه من عادة العرب استعمالُ هذه الألفاظ في دعم(9) كلامها، وإلى هذا ذهب القُتَيبِيُّ، قال: وإنَّما دعا عليه بهذا لمَّا رآه يُزاحِم ويُدافِع غيرَه، وقد جاء في حديث عمر: «أرِبْتَ عن يديك»، أي: تقطَّعت آرابك وسقَطَتْ، فهذا يدلُّ على أنَّه لفظٌ مستعملٌ عندهم بمعنى الدُّعاء الذي لا يُراد وقوعُه.
          ومن قال: «أَرَبٌ ما له»، فمعناه: حاجة به، قاله الأزهريُّ، وتكون «ما» زائدة، وفي سائر الوجوه: استفهاميَّة.
          ومَن قال: «أَرِبٌ، مَا لَه؟»؛ فمعناه: رجل حاذق سأل عمَّا يعنيه، والأرَبُ والإرْب: الحاجة، ولا وجه لقول أبي ذرٍّ: «أَرَبَ») انتهى.
          وفي «النِّهاية» ثلاثُ روايات ذَكَرَ فيها: (أَرِبَ) بوزن (عَلِمَ)، ومعناه: الدُّعاء عليه، ولم يُرِد وقوع الأمر، الثانية: (أَرَبٌ) بوزن (جَمَل) أي: حاجةٌ له، و(ما) زائدة، للتقليل، أي: له حاجة يسيرة، وقيل: معناه: حاجة جاءت به، ثمَّ سأل فقال: «ما له؟»، والثالثة: (أَرِبٌ) بوزن (كَتِف)، والأَرِب: الحاذق، أي: هو أَرِب، فحذف المبتدأ، ثمَّ سأل فقال: «ما له؟»، أي: ما شأنه؟ وهذا ملخَّصٌ منه.
          قوله: (وَتَصِلُ الرَّحِمَ): سيأتي الكلام في (الأدب) _إن شاء الله تعالى_ على الرحم التي تجب صلتها في الجملة، وأذكر فيها قولين [خ¦78/10-8914].
          قوله: (وَقَالَ بَهْزٌ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ): هذا هو بَهْزُ بن أَسَدٍ، يروي عن شعبةَ وطبقتِه، وعنه: بُنْدَارٌ، وعبدُ الله بن هاشم، وخلقٌ، إمامٌ حجَّةٌ، مات قُبَيل القطَّان، وتُوُفِّيَ يحيى بن سعيد القطَّان في صفر سنةَ ثمانٍ وتسعين ومئة، أخرج له الجماعةُ، له ترجمةٌ في «الميزان»، وصحَّح عليه، وتعليقُه هذا أخرجه البُخاريُّ في (الأدب) عن عبد الرَّحمن بن بشر، عن بَهْزِ بن أَسَد، عن شعبةَ، عن ابنِ عثمان بن عبد الله وأبيه عثمان، كلاهما عن موسى بن طلحة، عن أبي أيُّوب به [خ¦5983].
          وإنَّما أتى بهذا التَّعليق هنا؛ لينبِّه على أنَّ الغلطَ فيه من شعبة، لا من الرَّاوي عنه؛ لأنَّ الطَّريق الأوَّل رواه عنه حفصُ بن عمر، ففي نسخة: (عن ابن عثمان بن عبد الله بن مَوْهَب)، وفي نسخة: (عن محمَّد بن عثمان بن عبد الله بن مَوْهَب)، فأتى بهذا التَّعليق؛ ليؤيِّد روايةَ حفصٍ عن شعبة في أنَّه تابعه بَهْزٌ عن شعبة، فرواه عنه عن محمَّد بن عثمان به، والله أعلم.


[1] في (ج): (فكأنه).
[2] في (ج): (فقال).
[3] في (ب): (مما).
[4] (هو بجزم): ليس في (ب).
[5] كذا ضبطت في (أ)، وفي «اليونينيَّة»: (أرَبٌ).
[6] في (ب): (وكذا رواه).
[7] في (أ) و(ب): (داود)، ولعلَّه تحريفٌ عن المثبت من مصدره، وسيأتي على الصواب في آخر قول ابن قرقول، وفي (ج): (بعضهم).
[8] في (ج): (يسأل).
[9] في (ج): (زعم).