التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب التبكير والغلس بالصبح والصلاة عند الإغارة والحرب

          ░6▒ بَابُ التَّبْكِيرِ والغَلَسِ بِالصُّبْحِ وَالصَّلَاةِ عِنْدَ الإِغَارَةِ والحَرْبِ.
          947- ذَكَرَ فيه حديثَ أنسٍ: (أَنَّهُ صلعم صَلَّى الصُّبْحَ بِغَلَسٍ) الحديث.
          وقد سَلَفَ في بابِ ما يُذكَرُ في الفَخِذِ [خ¦371] وسيأتي في / المغازي أيضًا [خ¦4083] وأخرج قطعةً منه في البيوع [خ¦2228] وهو مشتَمِلٌ على صلاتِه بِغَلَسٍ ونزولِه بخَيْبَرَ وعِتْقِ صَفَيَّةَ. والغَلَسُ بقايا ظلامِ اللَّيلِ، وكان نزولُه بها ليلًا فصلَّى الصُّبْحَ بِغَلَسٍ ثمَّ رَكِبَ.
          وفيه التَّكبيرُ شكرًا لله تعالى عندما يَرَى الإنسانُ ما يُسَرُّ به كبَلَدِهِ، وكذا لِوِلادَة الغلامِ ورؤيةِ الهلالِ؛ لأنَّهُ إعلامٌ بما ظَهَرَ. ورفْعُ الصَّوتِ به إظهارًا لِعُلُوِّ دينِ الله وظهورِ أَمْرِهِ.
          فإن قلتَ: ثوابُ العِتْقِ معلومٌ فكيف فَوَّتَهُ وجَعَلَه في مُقَابَلَةِ النِّكاحِ؟ فالجواب: أنَّ صَفِيَّة كانت بِنْتَ مَلِكٍ، ومِثْلُها لا تَقْنَعُ بالمهرِ إلَّا بالكثيرِ، ولَمْ يكن بِيَدِهِ ما يُرضِيهَا ولم يَرَ أنْ يَقْصُرَ بها فَجَعَلَ صَدَاقَها نَفْسَها، وذلك عندَها أشرفُ مِن الأموالِ الكثيرةِ.
          وقولُه: (مَا مَهَرَهَا؟ قَالَ: أَمْهَرَهَا نَفْسَهَا) قال شيخُنا قطبُ الدِّين: صوابُه: (مَهَرَهَا) يعنِي بحْذفِ الألِفِ.
          وبخطِّ الحافظ الدِّمياطيِّ: يُقال مَهَرْتُ المرأةَ وأَمْهَرْتُها أعطيتُها الصَّدَاق، وأنكَرَ أبو حاتمٍ أَمْهَرْتُ إلَّا في لُغَةٍ ضعيفةٍ. قال: وهذا الحديث يَرُدُّ عليه، وصحَّحَها أبو زَيْدٍ وقال: تميمٌ تقولُ مَهَرْتُ، وكذا قال ابنُ التِّينِ: يُقالُ مَهَرْتُ المرْأَةِ وأَمْهَرْتُها، وقيل: مَهَرْتُهَا ثُلاثِيٌّ أفَصَحُ وأغْرَبُ.
          والتَّغليسُ بالصُّبحِ سُنَّةٌ سَفَرًا وحَضَرًا، وكانَ مِن عادَتِه ذلكَ، ولم يخالِفْ ذلكَ إلَّا يومَ الأعرابيِّ الَّذي سألَه عن المواقيتِ لأَجْلِ التَّعليمِ.
          وقولُه: (إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ) يريدُ أنَّهُم تقدَّمَ إليهم الإنذارُ فعَتَوْا فَنَزَلَ بساحتِهِم نزولَ الانتقامِ منهُم والإذلالِ لَهم، يقول: إذا حلَلْنَا مع قومٍ في ديارِهم غلبْنَاهم. قال ابنُ التِّينِ: والسَّاحةُ الموضِعُ، وقيل ساحَةُ الدُّورِ.
          وقولُه: (فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ) أي أصابَهُم السُّوءُ مِن القتْلِ على الكفْرِ والاسترقاقِ.
          وقولُه: (جَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا) قد أسلَفْنَا أنَّ هذا مِن خواصِّه، وحكاهُ ابنُ التِّينِ عن مالكٍ، ثُمَّ قال: وعندَ الشَّافعيِّ لا. وهذا نقلٌ غريبٌ عن الشَّافِعِيِّ ولَعَلَّه تَبِعَ التِّرمِذِيَّ فيه.
          وليسَ فيه ذِكْرُ الدَّعوةِ إلى الإسلامِ قبْلَ القتالِ، وإن كان يحتملُ وقوعُه وعدمُ نقْلِه لكنَّه بعيدٌ.