شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب ما يكره من التمني

          ░6▒ بَابُ: مَا يُكْرَهُ مِنَ التَّمَنِّي. وقَوْلُ اللهِ ╡: {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ}[النِّساء:32]
          فيهِ: أَنَسٌ قال: (لَوْلَا أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلعم(1) يَقُولُ: لَا تَمَنَّوُا المَوْتَ لَتَمَنَّيْتُهُ). [خ¦7233]
          فيهِ: خَبَّابٌ مِثْلُهُ. [خ¦7234]
          وفيهِ: أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ النَّبي صلعم: (لَا يَتَمَنَّى أَحَدُكُمُ المَوْتَ، إِمَّا مُحْسِنًا فَلَعَلَّهُ يَزْدَادُ، وَإِمَّا مُسِيْئًا فَلَعَلَّهُ يَسْتَعْتِبُ). [خ¦7235]
          قال المُهَلَّبُ(2): بيَّن الله تعالى في هذه الآية ما لا يجوز تمنِّيه، وذلك ما كان مِن عرض الدُّنيا وأشباهِه(3).
          قال الطَّبَرِيُّ: وقيل: إنَّ هذه الآية نزلت في نساءٍ تمنَّين منازل الرِّجال، وأن يكون لهنَّ ما لهم، فنهى الله سبحانه عن الأماني الباطلة، إذ كانت الأماني الباطلة تورث أهلَها الحسد والبغي بغير الحقِّ. وقال ابنُ عَبَّاسٍ في هذه الآية: لا يتمنَّى الرَّجُل يقول: ليت لي مال فلانٍ وأهلُه، فنهى الله عن ذلك وأمر عبادَه أن يسألوه مِن فضلِه.
          وسُئِلَ الحَسَنُ البَصْرِيُّ فقيل له: الرَّجُل يرى الدَّار فتُعجبُه والدَّابَّة فتُعجبُه فيقول: ليت لي هذه الدَّار، ليت لي(4) هذه الدَّابَّة. قال الحَسَنُ: لا يصلح هذا. قيل له: فيقول: ليت لي مثل هذه الدَّار. فقال: ولا هذا. قيل له: إنا كنَّا لا نرى بأسًا بقولِه: ليت لي مثل هذا. فقال الحَسَنُ: ألا ترى قولَه ╡: {يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ}[العنكبوت:62]أتدري ما يقدر له؟ ينظر إن كان خيرًا أن يبسطَه له بسطَه، وإن كان خيرًا أن يمسكَه عنه أمسكَه، فتنطلق إلى شيءٍ نظر الله فيه أنَّه خيرٌ لك فأمسكه عنك فتسألُه إيَّاه، فلعلَّك لو أعطيت ذلك كان فيه هلكةٌ(5) في دينك ودنياك، ولكن إذا سألت فقل: اللَّهُمَّ إنِّي أسألك مِن فضلك، فإن أعطاك أعطاك خيارًا، وإن أمسك عنك أمسك عنده(6) خيارًا. ومعنى نهيه صلعم عن تمنِّي الموت، فإنَّ الله ╡ قد قدَّر الآجال فمتمنِّي الموت غير راضٍ بقدر الله ╡ ولا مسلِّمٌ لقضائِه، وقد بيَّن النَّبيُّ صلعم ما للمحسن والمسيء في أن لا يتمنَّى الموت، وذلك ازدياد المحسن مِن الخير ورُجُوع المسيء عن الشَّرِّ، وذلك نظرٌ مِن الله تعالى للعبد وإحسانٌ(7) منه إليه خيرٌ له مِن تمنِّيه الموت، وقد تقدَّم في كتاب المرضى حيث يجوز تمنِّي الموت، وحيث لا يجوز، والأحاديث المعارضة في ذلك وبيان معانيها في(8) باب تمنِّي الموت [خ¦5671].


[1] في (ت) و (ص): ((النبي ◙)).
[2] قوله: ((قال المهلَّب)) ليس في (ت) و(ص).
[3] في (ت) و(ص): ((وأسبابها)).
[4] في (ت) و (ص): ((ليت لي مثل هذه الدار، ليت لي)).
[5] قوله: ((فيه هلكة)) ليس في (ت).
[6] قوله: ((عنده)) ليس في (ت) و (ص).
[7] في (ص): ((واختيار)).
[8] قوله: ((وحيث لا يجوز...باب تمني الموت)) ليس في (ص).