شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب تمني الخير

          ░2▒ بَابُ: تَمَنِّي الخَيْرِ. وَقَوْلِ النَّبيِّ صلعم: (لَوْ كَانَ لِي أُحُدٌ ذَهَبًا).
          فيهِ: أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ النبيُّ صلَّى عليه وسلَّم(1): (لَوْ كَانَ عِنْدِي(2) أُحُدٌ ذَهَبًا، لَأَحْبَبْتُ أَنْ لَا يَأْتِيَ عَلَيَّ ثَلَاثٌ وَعِنْدِي مِنْهُ دِينَارٌ، لَيْسَ شَيْءٌ أَرْصُدُهُ في دَيْنٍ عَلَيَّ أَجِدُ مَنْ يَقْبَلُهُ). [خ¦7228]
          في هذا الحديث مِن الفِقْهِ جواز تمنِّي الخير وأفعال البرِّ(3) لأنَّه صلعم تمنَّى لو كان له مثل أُحُدٍ ذهبًا لأحبَّ أن ينفقَه في طاعة الله ╡ قبل أن يأتي عليه ثلاث ليالٍ. وقد تمنَّى الصَّالحون ما يمكن كونه وما لا يمكن حرصًا منهم على الخير، فتمنَّى بنو الزُّبَيْرِ منازل مِن الدُّنيا لتنفذ أموالهم في الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر.
          رُوِيَ أنَّ عبدَ اللهِ وعُرْوَةَ ومُصْعَبًا بَنِي(4) الزُّبَيْرِ بنِ العَوَّامِ اجتمعوا عند الكعبة، فقال عبدُ اللهِ: أحبُّ أن لا أموت حتَّى أكون خليفةً. وقال مُصْعَبٌ: أحبُّ أن أَلِيَ(5) العِرَاقَيْنِ الكُوْفَةَ والبَصْرَةَ، وأتزوَّج سُكَيْنَةَ بنتَ الحُسَيْنِ وعائشةَ بنتَ طَلْحَةَ. وقال عُرْوَةُ: لكنَّني أسأل الله الجنَّة، فصار عبدُ اللهِ ومُصْعَبٌ إلى ما تمنَّيا، وترون(6) أنَّ عُرْوَةَ صار إلى الجنَّة إن شاء الله تعالى، وما تمنَّوه ممَّا لا سبيل إلى كونِه تصغيرًا لأنفسِهم وتحقيرًا لأعمالِهم، فتمنَّوا أنَّهم لم يُخلقوا وأنَّهم(7) أقلُّ الموجودات. رُوِيَ عن أبي بَكْرٍ الصِّدِّيْقِ ☺ أنَّه قال: وَدِدْتُ أنِّي خضرةٌ تأكلني الدَّواب. وتناول عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ تبنةً مِن الأرض فقال: ليتني كنت هذه، ليتني لم أَكُ شيئًا، ليت أمِّي لم تلدني، ليتني كنت نسيًا منسيًّا.
          وقرأ عُمَرُ: {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِيْنٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا}[الإنسان:1]فقال: يا ليتها تمَّت. وقال عِمْرَانُ بنُ حُصَيْنٍ: وَدِدْتُ أنِّي رمادٌ على أكمةٍ تسفيني الرِّياح في يومٍ عاصفٍ.
          وقال أبو ذرٍّ: وَدِدْتُ أنَّ الله خلقني شجرةً تقضم. ومرَّتْ عائشةُ بشجرةٍ فقالَتْ: يا ليتني كنت ورقةً مِن هذه الشَّجرة.
          وقال أبو عُبَيْدَةَ(8): وَدِدْتُ أنِّي كبشٌ فيذبحني أهلي فيأكلون لحمي ويحسون مرقي. وإنَّما حملَهم على ذلك شدَّة الخوف مِن مسائلة الله والعرض عليه، وعلى قدر العلم بالله ╡ تكون الخشية منه، ولذلك قال الفُضَيْلُ: مَن مقت نفسَه في الله أمنَّه الله مِن مقتِه.


[1] في (ت) و (ص): ((قال ◙)).
[2] في (ت) و (ص): ((لو كان لي)).
[3] قوله: ((وأفعال البر)) ليس في (ص).
[4] في (ت) و(ص): ((بنو)).
[5] في (ت) و(ص): ((لي)).
[6] في (ص): ((ويروى)).
[7] في (ت): ((أو أنَّهم)).
[8] في (ص): ((عبيد)).