شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: النسك شاة

          ░8▒ باب: النُّسْكُ بِشَاة.
          فيه: كَعْب: (أَنَّ النَّبيَّ صلعم رَآهُ وَأَنَّهُ يَسْقُطُ على وَجْهِهِ، فَقَالَ: أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَحْلِقَ، وهُوَ بِالْحُدَيْبِيَةِ، وَلَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُمْ أَنَّهُمْ يَحلُّونَ(1) بِهَا، وَهُمْ على طَمَعٍ أَنْ يَدْخُلُوا مَكَّةَ، فَأَنْزَلَ اللهُ الْفِدْيَةَ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ صلعم أَنْ يُطْعِمَ فَرَقًا بَيْنَ سِتَّةٍ، أَوْ يُهْدِيَ شَاةً، أَوْ يَصُومَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ). [خ¦1817] [خ¦1818]
          أجمع العلماء أنَّ أقلَّ النُّسك شاة، وبها أفتى الرَّسول صلعم كعب بن عجرة، وقد ثبت أنَّه نسك ببقرة، حدَّثنا به أبو بكر التَّجيبيُّ قال: حدَّثنا أحمد بن سعيد بن حزم، حدَّثنا أبو إسحاق إبراهيم بن خُلَيدٍ المقبريُّ بمكَّة، حدَّثنا يوسف بن موسى القطَّان، حدَّثنا مِهْرَان، عن سفيان، عن ابن أبي ليلى، عن نافع، عن سليمان بن يسار قال: ذَبح كعب بقرةً فأخذ بأرفع الكفَّارات ولم تكن هذه مخالفة للنَّبيِّ صلعم، بل كان موافقة وزيادة، ففي هذا من الفقه أنَّ من أُفتي بأيسر الأشياء وأقلِّ الكفَّارات أنَّ له أن يأخذ بأعالي الأمور وأرفع الكفَّارات، كما فعل كعب والله الموفق.
          قال ابن المنذر: قوله في هذا الحديث: (وَلم يَتَبيَّن لهُم أنَّهُم يَحلُّونَ بِها، وهم على طمعٍ أنَّ يدخلوا مَكَّةَ) فيه دليلٌ أنَّ من كان على رجاءٍ من الوصول إلى البيت أنَّ عليه أن يقيم حتَّى ييأس من الوصول فيحلَّ، وقال من أحفظ عنه من أهل العلم: إنَّ من يئس أن يصل إلى البيت فجاز له أن يحلَّ، فلم يفعل حتَّى خُلِّي سبيله، أنَّ عليه أن يمضي إلى البيت لتتمَّ مناسكه.
          قال المُهَلَّب: وقوله: (فَأمرَهُ أَنْ يَحلقَ، وَلم يتبيَّن لهُم أنَّهم يَحِلُّونَ بِها) فيه حجَّةٌ لمالكٍ في وجوب الكفَّارة على المرأة تقول في رمضان: غدًا حيضتي، والرَّجل يقول: غدًا يوم حُمَّاي، فيفطران، ثمَّ ينكشف الأمر بالحمَّى والحيض كما قالا، أنَّهما عليهما الكفَّارة؛ لأنَّهم لم يكن كما كان في علم الله من أنَّهم يحلُّون بالحديبية، وأنَّ الهدي قد بلغ محلَّه، بمسقط عن كعبٍ الكفَّارة إذا استباح الحلاق قبل علم الله بأنَّ الهدي قد بلغ محلَّه، فكذلك ما كان في علم الله من أنَّها تحيض لا يسقط عنها الكفَّارة إذا استباحت حُرْمة رمضان قبل علمها بالحيض، وكذلك المريض، إذا قد يجوز أن يكون ما ظنَّا؛ لأنَّه لا يقطع على مغيبه.


[1] في (ص): ((يحلقون)) والمثبت من المطبوع.