عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب: إذا وهب شيئا لوكيل أو شفيع قوم جاز
  
              

          ░7▒ (ص) بابٌ إِذَا وَهَبَ شَيْئًا لِوَكِيلٍ أَوْ شَفِيعِ قَوْمٍ؛ جَازَ.
          (ش) أي: هذا بابٌ يُذكَرُ فيه إذا وهب أحدٌ شيئًا لوكيلٍ _بالتنوين_ أي: لوكيلِ قومٍ، ويجوز بالإضافة إلى (قوم) المذكور مِن قبيل قوله:
بين ذراعَي وجَبهةِ الأسَدِ
          والتقدير: بين ذراعَي الأسَدِ وجَبهتِه.
          قوله: (أَوْ شَفِيعِ قَوْمٍ) عطف على ما قبله، والتقدير: أو وهب شيئًا لشفيع قومٍ.
          قوله: (جَازَ) جواب الشرط.
          (ص) لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلعم لِوَفْدِ هَوَازِنَ، حِينَ سألُوهُ المَغَانِمَ، فقال النَّبِيُّ صلعم : «نَصِيبيي لَكُمْ».
          (ش) هذا تعليلٌ للترجمة، بيانه: أنَّ وفد هوازن كانوا رُسُلًا أتَوا النَّبِيَّ صلعم ، وكانوا وُكَلاء وشُفَعاء في ردِّ سبيهم الذي سباه رسول الله صلعم ، وهو المغانم، فقبِلَ النَّبِيُّ صلعم شفاعتهم، فردَّ إليهم نصيبه مِنَ السبي، وتوضيح ذلك فيما ذكره مُحَمَّد بن إسحاق في «المغازي» مِن حديث عبد الله بن عَمْرو بنِ العاص، قال: كنَّا مع رسول الله صلعم بحنين، فلمَّا أصاب مِن هوازن ما أصاب مِن أموالهم وسباياهم؛ أدركهم وفد هوازن بالجِعرانة، وقد أسلموا، فقالوا: يا رسول الله أُمنن علينا منَّ الله عليك، فقال رسول الله صلعم : «نساؤكم وأبناؤكم أحبُّ إليكم أم أموالكم؟» فقالوا: يا رسول الله؛ خيَّرتنا بين أحسابنا وأموالنا، بل أبناؤنا ونساؤنا أحبُّ إلينا، فقال رسول الله صلعم : «أَمَّا ما كان لي ولبني عبد المطَّلب فهو لكم»، فقال المهاجرون: وما كان لنا فهو لرسول الله، وقالت الأنصار: وما كان لنا فهو لرسول الله، فردُّوا إلى الناس نساءهم وأبناءهم، وكانت قسمة غنائم هوازن قبل دخوله ◙ مكَّة معتمرًا مِن الجِعرانة، قال ابن إسحاق: لمَّا انصرف النَّبِيُّ صلعم عَنِ الطائف، ونزل الجعرانة فيمن معه مِنَ الناس، ومعه مِن هوازن سبيٌ كثير، وقد قال له رجلٌ مِن أصحابه يوم ظعنٍ مِن ثقيف: يا رسول الله؛ ادع عليهم، فقال: «اللهم اهدِ ثقيفًا وائت بهم»، قال: ثُمَّ أتاه وفد هوازن بالجعرانة، وكان مَعَ رسول الله صلعم مِن سبي هوازن ستَّة آلاف مِنَ الذراري والنساء، ومِنَ الإبل والشاء ما لا يدرى عدَّته، وقال غيره: وكانت عدَّة الإبل أربعة وعشرين ألف بعيرٍ، والغنم أكثر مِن أربعين ألف شاةٍ، ومِنَ الفضَّة أربعة آلاف أوقيَّة، والمقصود أنَّ النَّبِيَّ صلعم ردَّ إليهم سبيهم، فعند ابن إسحاق: قبل القسمة، وعند غيره بعدها، وكانت غزوة هوازن يوم حُنين بعد الفتح في خامس شوال سنة ثمان، وحُنَين وادٍ بينه وبين مكَّة ثلاثة أميالٍ، وهوازن في قيس عَيلان وفي خزاعة، ففي قيس عَيلان: هوازن بن منصور بن عِكْرِمَة بن خَصَفة بن قيس عَيلان، وفي خُزاعة: هوازن بن أسلم بن أفْصى، وهوازن هذا بطنٌ، وفي هوازن: قيس عَيلان بطون كثيرة، وقال ابن دُرَيد: هوازن ضرب مِنَ الطيور، وقال غيره: هو جمع (هَوْزن)، وقيل: الهَوْزَن: السراب، ووزنه (فَوْعَل).
          قُلْت: هذا يدلُّ على أنَّ الواو زائدة؛ مثل واو (جَهْوَري الصوت) أي: شديدٌ عالٍ.