عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب قتل من أبى قبول الفرائض وما نسبوا إلى الردة
  
              

          ░3▒ (ص) بَابُ قَتْلِ مَنْ أَبَى قَبُولَ الْفَرَائِضِ وَمَا نُسِبُوا إِلَى الرِّدَّةِ.
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيانِ جواز قتل مَن أبى _أي: امتنع_ مِن قبول الفرائض؛ أي: الأحكام الواجبة.
          قوله: (وَمَا نُسِبُوا إِلَى الرِّدَّةِ) قال الكَرْمانيُّ: «ما» نافيةٌ، وقيل: مصدريَّةٌ؛ أي: ونسبتهم إلى الردَّة.
          قُلْت: الأظهر أنَّها موصولةٌ، والتقدير: وقتل الذين نُسِبوا إلى الردَّة، والله أعلم.
          وهذا مختَلفٌ فيه؛ فمَن أبى أداء الزكاة وهو مقرٌّ بوجوبها، فإن كان بين ظهرانينا ولم يطلب حربًا ولا امتنع بالسيف فَإِنَّهُا تؤخذ منه قهرًا وتُدفع للمساكين ولا يُقتَل، وإِنَّما قاتل الصِّدِّيق ☺ مانعي الزكاة لأنَّهم امتنعوا بالسيف ونصبوا الحرب للأمَّة، وأجمع العلماء أنَّ مَن نصب الحرب في منع فريضةٍ أو مَنَع حقًّا يجب عليه لآدميٍّ أنه يجب قتاله، فإن أبى القتل على نفسه فدمه هدرٌ.
          وأَمَّا الصلاة فمذهب الجماعة أنَّ من تركها جاحدًا فهو مرتدٌّ فيستتاب فإن تاب وإلَّا قُتِل، وكذلك جحدُ سائر الفرائض، واختلفوا فيمَن تركها تكاسلًا، وقال: لست أفعلها، فمذهب الشافعيِّ إذا ترك صلاةً واحدةً حَتَّى أخرجها عن وقتها، أي: وقت الضرورة، فَإِنَّهُ يُقتَل بعد الاستتابة إذا أصرَّ على الترك، والصحيح عنده أنَّهُ يُقتَل حدًّا / لا كفرًا، ومذهب مالكِ أنَّهُ يقال له: صلِّ ما دام الوقت باقيًا، فإن صلَّى تُرِك، وإن امتنع حَتَّى خرج الوقت قُتِل، ثُمَّ اختلفوا، فقال بعضهم: يستتاب فإن تاب وإلَّا قُتِل، وقال بعضهم: يُقتَل؛ لأنَّ هذا حدٌّ لله ╡ ، يقام عليه لا تسقطه التوبة بفعل الصلاة، وهو بذلك فاسقٌ كالزاني والقاتل لا كافرٌ، وقال أحمد: تارك الصلاة مرتدٌّ كافرٌ، وماله فيءٌ، ويدفن في مقابر المسلمين، وسواءٌ ترك الصلاة جاحدًا أو تكاسلًا، وقال أبو حنيفة [والثَّوْريُّ والمزنيُّ: لا يُقتَل بوجهٍ ويخلَّى بينه وبين الله تعالى.
          قُلْت: المشهور مِن مذهب أبي حنيفة]
أنَّهُ يعزَّر حَتَّى يصلِّي، وقال بعض أصحابنا: يُضرَب حَتَّى يخرج الدَّم مِن جلده.