عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب: من لم يتغن بالقرآن
  
              

          ░19▒ (ص) بَابُ مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ.
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيان مَن لم يَرَ التغنِّي بالقرآن، وهذه الترجمة لفظ حديثٍ أخرجه البُخَاريُّ في (الأحكام) مِن طريق ابن جُرَيْجٍ عن ابن شهابٍ بسند حديثِ الباب بلفظ: «مَن لم يتغنَّ بالقرآن فليس منَّا» وبهذا يحصل الجواب عن قول الكَرْمَانِيِّ: فَإِنْ قُلْتَ: الحديث أثبت التغنِّي بالقرآن، فلِمَ ترجم الباب بقوله: «مَن لم يتغنَّ؟» بصورة النفي، وفي جوابه هو وَهَمٌ وذهولٌ حيث قال: قُلْت: إمَّا باعتبار مَا روي عنه صلعم أنَّهُ قال: «مَن لم يتغنَّ بالقرآن فليس منَّا» فأراد الإشارة إلى ذلك الحديث، ولمَّا لم يكن بشرطه لم يذكره انتهى، وجه الوهم أنَّهُ قال: (ولمَّا لم يكن بشرطه) فكيف يقول ذلك وقد أخرجه البُخَاريُّ في (الأحكام) كما ذكرناه؟! ويأتي عن قريبٍ تفسير (التغنِّي).
          (ص) وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ}[العنكبوت:51].
          (ش) (وقَوْلِهِ) مجرورٌ عطفَا على قوله: (مَن لم يتغنَّ) لأنَّه في محلِّ الجرِّ بإضافة لفظ (باب) إليه، وإِنَّما أورد هذه الآية إشارةً إلى أنَّ معنى التغنِّي: الاستغناء؛ لأنَّ مضمونَ الآية الإنكارُ على مَن لم يستغن بالقرآن عن [غيره مِنَ الكتب السالفة، وهي نزلت في قومٍ أتَوا رسول الله صلعم بكتابٍ فيه خبرٌ مِن أخبار الأمم، فالمراد بالآية الاستغناء بالقرآن عن] علم أخبار الأمم، وليس المراد بها الاستغناء الذي هو ضدُّ الفقر، وأتبع البُخَاريُّ الترجمةَ بهذه الآية ليدلَّ على أنَّ هذا مذهبه في الحديث، وهو موافقٌ لتأويل سفيان (يتغنَّى) بقوله: يستغني به، لكنَّه حمله على ضدِّ الفقر، والبُخَاريُّ حمله على ما هو أعمُّ مِن ذلك، وهو الاكتفاء مطلقًا.