الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

حديث: إنما شأنهما واحد أشهدكم أني قد أوجبت حجةً مع عمرتي

          1807-1808-وبالسند قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ) بتكبير: عبد (ابْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ) بالمد علم مذكر؛ أي: ابن عبيد الضَّبعي، قال: (حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ) تصغير: جارية، علمٌ مذكر أيضاً؛ أي: ابن أسماء بن عبد الله، وهو عمُّ عبيد الله بن محمَّد الراوي عنه (عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ) بتصغير: عبد (ابْنَ عَبْدِ اللَّهِ) بتكبير: عبد؛ أي: ابن عمر بن الخطاب (وَسَالِمَ) بترك تنوينه لوقوعه بين علمين، هو شقيقُ عبيد الله (ابْنَ عَبْدِ اللَّهِ) أي: ابن عمر بن الخطاب (أَخْبَرَاهُ) أي: كلاهما أخبرا نافعاً (أَنَّهُمَا كَلَّمَا) بفتح الكاف وتشديد اللام.
          (عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ) أي: أباهما (لَيَالِيَ نَزَلَ الْجَيْشُ) أي: القادمون مكَّة مع الحجَّاج (بابنِ الزُّبَيْرِ) أي: لقتالهِ (فَقَالاَ) أي: سالمٌ وعبيدُ الله لأبيهما (لاَ يَضُرُّكَ أَنْ لاَ تَحُجَّ الْعَامَ، إِنَّا) بكسر الهمزة تعليل مستأنف، ولغير أبي الوقت: <وإنا> بواو الحال (نَخَافُ أَنْ يُحَالَ) بالحاء المهملة (بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْبَيْتِ) أي: الكعبة.
          (فَقَالَ) أي: ابن عمر (خَرَجْنَا) أي: من المدينة حتى بلغنا الحديبية (مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلعم، فَحَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ دُونَ الْبَيْتِ فَنَحَرَ النَّبِيُّ صلعم هَدْيَهُ وَحَلَقَ رَأْسَهُ) أي: بعد ذبح الهديِ فحلَّ من عمرته (وَأُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ الْعُمْرَةَ) أي: على نفسي، ولأبوي ذرٍّ والوقت: <عمرة> ولعلَّهُ أراد تعليمَ غيره.
          وقوله: (إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْطَلِقُ) أي: إلى مكَّة برفعه، وإن كان جواب ((إن)) لأنَّ الشرط ماض وبجزمه على الأصل، ويجوز أن يكون الجوابُ أوجبت العمرة مقدراً مدلولاً عليه بالمذكور، وقصد به التَّبرُّك لقوله: ((وأشهدكم)) لا التَّعليق، وإلَّا لم يصحَّ إحرامه (فَإِنْ خُلِّيَ) بالخاء المعجمة وتشديد اللام مبنيًّا للمفعول (بَيْنِي وَبَيْنَ الْبَيْتِ طُفْتُ) أي: بالبيت وأكملتُ النسك.
          (فَإِنْ حِيلَ) بالبناء للمفعول، شرط ((إن)) (بَيْنِي وَبَيْنَهُ) أي: منعتُ من الوصول إليه للطواف (فَعَلْتُ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ صلعم).
          وجملة: (وَأَنَا مَعَهُ) حالية؛ أي: من التَّحلُّل بالنَّحرِ والحلق مع نيَّةِ التَّحلُّل (فَأَهَلَّ) أي: فأحرمَ ابن عمر رافعاً صوته بالتَّلبية (بِالْعُمْرَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً) أي: حصَّةً قليلةً من الزمان (ثُمَّ قَالَ: إِنَّمَا شَأْنُهُمَا) أي: أمرُ الحجِّ والعمرة (وَاحِدٌ) / يعني: في جواز التَّحلُّل منهما بالإحصار، أو في إمكانِ الإحصارِ عن كلِّ واحدٍ منهما.
          قال في ((الفتح)): ويؤيِّدُ الثاني قوله في رواية يحيى القطان المذكورة بعد قوله: ((ما أمرُهُما إلا واحدٌ، إن حيلَ بيني وبين العمرةِ، حيلَ بيني وبين الحجِّ)) فكأنَّه رأى أولاً أنَّ الإحصارَ عن الحجِّ أشدُّ من الإحصارِ عن العمرة؛ لطول زمن الحجِّ وكثرة أعمالهِ فاختارَ الإهلال بالعمرة، ثمَّ رأى أنَّ الإحصارَ بالحجِّ يفيدُ التَّحلُّل عنه بعملِ العمرة فقال: ما أمرهما إلا واحدٌ، انتهى.
          (أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ حَجَّةً مَعَ عُمْرَتِي) أي: فصارَ قارناً، فلذا قال: (فَلَمْ يَحِلَّ مِنْهُمَا حَتَّى حَلَّ يَوْمَ النَّحْرِ) بنصب ((يوم)) على الظرفية، ولأبي ذرٍّ: <حتى دخل يومُ النحر> برفع ((يوم)) على أنه فاعل ((دخل)) من الدُّخول (وَكَانَ) أي: ابن عُمر (يَقُولُ: لاَ يَحِلُّ حَتَّى يَطُوفَ طَوَافاً وَاحِداً يَوْمَ يَدْخُلُ مَكَّةَ) لأنَّه قارنٌ، فلا يحتاجُ إلى طوافين وسعيين، خلافاً للحنفية فيهما.
          وفي هذا الحديثِ من الفوائد كما في ((الفتح)) أنَّ الصَّحابة كانوا يستعملون القياسَ ويحتجُّون به، وأن من أحصرَ من العدوِّ جاز له التحلل.
          وفيه أيضاً جوازُ إدخال الحجِّ على العمرةِ، وهو قولُ الجمهورِ لكن شرطهُ عند الأكثرين أن يكون قبل الشُّروعِ في طوافِ العمرة.
          وقال الحنفية: إن كان قبل مضيِّ أربعةِ أشواطٍ صحَّ.
          وقال المالكيَّةُ: ويجوزُ الإدخال ولو كان بعد تمام الطَّواف، ونقلَ ابن عبد البر أنَّ أبا ثور شذَّ فمنع إدخال الحجِّ على العمرةِ قياساً على العكس.
          وفي الحديثِ أيضاً: أنَّ القارن يكتفي بفعلٍ واحدٍ.
          وفيه: أنَّ القارن يهدي، وشذَّ ابن حزمٍ فقال: لا هديَ على القارن.
          وفيه: جوازُ الخروج إلى النسك في الطَّريقِ المظنونِ خوفه إذا رجيَ السَّلامة، قالهُ ابن عبد البرِّ.
          وبالسند قال: (حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ) أي: التَّبوذكي، قال: (حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ) أي: ابن أسماءَ عن نافع (أَنَّ بَعْضَ بَنِي عَبْدِ اللَّهِ) أي: ابن عمر بن الخطاب (قَالَ) أي: بعضُ بني عبد الله (لَهُ) أي: لأبيه عبد الله بن عُمر ☻.
          قال في ((الفتح)): تقدم في الرواية قبلها أنَّه سالمُ بن عبد الله وعبيد الله أو عبد الله، ولم يظهر لي من الذي تولَّى مخاطبتهُ منهم.
          (لَوْ أَقَمْتَ، بِهَذَا) أي: بهذا المكانِ أو المقام، وجواب ((لو)) محذوف؛ أي: لكان خيراً أو نحوه أو أنَّها للتَّمنِّي فلا تحتاجُ إلى جوابٍ، وإنما اقتصرَ في رواية موسى هذه على الإسنادِ لما قدَّمناه آنفاً عن ((الفتح)) في التَّنبيه.