الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

حديث: إن صددت عن البيت صنعت كما صنعنا

          1806- وبالسند قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ) أي: التِّنِّيسي، قال: (أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ) أي: ابن الخطَّاب ☻ (حِينَ خَرَجَ) أي: أرادَ الخروج (إِلَى مَكَّةَ مُعْتَمِراً) حال (فِي الْفِتْنَةِ) متعلق بـ((خرج))، ويحتمل بـ((معتمراً)) وكانت حين نزل الحجَّاج لقتالِ ابن الزبير، ولا منافاةَ بين قوله هنا: معتمراً، وبين قولهِ في ((الموطأ)) خرج إلى مكَّةَ يريدُ الحج؛ لأنَّ خروجه أولاً كان للحجِّ، فلمَّا ذكر له أمرُ الفتنةِ أحرم بالعمرة وقال: ما شأنهما إلا واحداً، فأضاف إليها الحجَّ فصارَ قارناً.
          (قَالَ) أي: ابن عُمر جواباً لقولهم: إنا نخافُ أن يُحال بينك وبين البيت بسبب الفتنةِ (إِنْ صُدِدْتُ) مبني للمفعول؛ أي: مُنِعت (عَنِ الْبَيْتِ صَنَعْتُ) ولأبي الوقت: <صنعنا> (كَمَا صَنَعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلعم) أي: حين صدَّهُ المشركون / عن البيتِ في الحديبية، فإنه تحلَّلَ من العمرة ونحرَ وحلقَ، وبه تحصلُ المطابقة (فَأَهَلَّ) فعل ماض، بتشديد اللام؛ أي: رفعَ ابن عُمر صوته بالإهلال (بِعُمْرَةٍ) زاد في رواية جُويرية: ((من ذي الحليفة))، وفي رواية أيُّوب السَّابقة: ((فأهلَّ بالعمرةِ من الدار)) يعني: المنزلةَ الذي ينزلها بذي الحليفة، أو المرادُ بالدار؛ أي: التي في المدينةِ، فيكون أهلَّ بالعمرة من داخل بيتهِ، ثمَّ أظهرها بعد استقرارهِ بذي الحليفة (مِنْ أَجْلِ) أي: لأجل.
          (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلعم كَانَ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ) أي: سنة ستٍّ من الهجرةِ؛ أي: وتحلَّل بما تقدَّم كما صنع رسولُ الله صلعم، والحديثُ أخرجهُ المصنف أيضاً في المغازي، ومسلمٌ في الحج.
          تنبيه: قال في ((الفتح)): هذا السِّياقُ يُشعر بأنَّه عن نافعٍ عن ابن عمر بغير واسطةٍ، لكن رواية جويرية التي بعده تقتضي أنَّ نافعاً حمل ذلك عن سالمٍ وعبيد الله ابني عبد الله بن عمر عن أبيهما، وذكرها يحيى القطَّان عن عبد الله مكبَّراً.
          قال البيهقي: هي أصحُّ من عبيد الله المصغر.
          قال في ((الفتح)): ولا يبعدُ أن يكون كلٌّ منهما كلَّم أباهُ في ذلك.
          وقال الكرمانيُّ: وفي بعض النسخ: <عبد الله> مكبَّراً وهو الموافقُ للرواية الآتية في باب النحر قبل الحلقِ، وهما أخوان والمصغَّر أكبرُ منه، ثمَّ قال: والذي يترجَّح في نقدي أنَّ ابني عبد الله أخبرا نافعاً بما كلَّما به أباهما، وأشارا عليه به من التَّأخيرِ ذلك العام، وأما بقيَّةُ القصَّةِ فشاهدها نافع وسمعها من ابن عُمر لملازمته إياه، فالمقصودُ من الحديثِ موصولٌ وعلى تقديرِ أنَّ نافعاً لم يسمعْ شيئاً من ذلك من ابن عُمر، فقد عرف الواسطةَ بينهما وهي ولدا عبد الله بن عمر وهما ثقتانِ، انتهى.
          ثمَّ قال في ((الفتح)): عقب البخاريُّ رواية عبد الله بروايةِ موسى لينبِّهَ على الاختلافِ في ذلك، ومن ثمَّ اقتصرَ على الإسناد في روايةِ موسى، انتهى.