الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب استقبال الحاج القادمين والثلاثة على الدابة

          ░13▒ (باب اسْتِقْبَالِ الْحَاجِّ الْقَادِمِينَ): أي: باب استحبابِ استقبالِ الناس المقيمين الحاج القادمين إلى مكة للحجِّ، ويقاسُ بهم القادمُون من الحجِّ إلى أوطَانهم كما سيأتي، ويحتملُ أنه مصدرٌ مضافٌ لمفعوله، وسيأتي أنه يجوزُ كونهُ من الإضافة للفاعل.
          و((القادمِين)) بكسر الميم، جمعُ: قادمٍ، للأكثر، ولأبي ذرٍّ بالتثنية، ولابن عساكر: <الغلامين> بدل: ((القادمين)) فعلى الرواية الأُولى يجوزُ أن يكونَ القادِمين نعتاً للحاجِّ؛ لإطلاقهِ على الجماعة تجوُّزاً باعتبارِ الجنسِ، كقوله تعالى: {سَامِراً تَهْجُرُونَ} [المؤمنون:67].
          و((استقبالِ)) مصدرٌ مضافٌ لفاعله، ومفعوله مقدَّرٌ بنحو: الغلامين أو الأغلمة؛ لدَلالة السِّياق عليه، ويحتملُ على جعلِ القادمين صفة للحاجِّ أنْ يكونَ ((استقبال)) مضافاً إلى مفعولهِ وفاعلُه محذوفٌ؛ أي: استقبال الشَّخص الحاجِّ.
          ويُحتمل إرادةُ أنَّ القادمين مفعول ((استقبال)) المضاف إلى فاعله، ولا حذفَ، وكذا على الروايتين الأخريين، ولا يرد على الوجوه كلِّها أنَّ الأغيلمةَ هم المستقبلونَ لا الحاج، إذ هو معلومٌ أنَّ الاستقبالَ من الطرفين؛ لأنَّ مَن استقبلَكَ فقد استقبلتَهُ، ويجوزُ على الرِّوايات كلِّها أيضاً أن يكونَ ((استقبال)) مضافٌ إلى الفاعلِ، والحاجُّ مفعوله، فَصَلَ بين المتضَايفين كقراءة ابنِ عامر: ▬وكذلك زين لكثيرٍ من المشركين قتل أولادهم شركائهم↨ بإضافة: ▬قتل↨ النائب عن الفاعل إلى فاعله، وهم ▬شركائهم↨ المفصول بينهما بـ▬أولادهم↨ مفعول ▬قتل↨.
          (وَالثَّلاَثَةِ عَلَى الدَّابَّةِ): بجر ((الثلاثة)) عطفاً على ((استقبال)) لكنْ قال القسطلاني: لا أعرفُ نصبَ ((الحاج)) في كما يأتي توجيهه فتأمَّله، أو الحاج أو القادمين على جعل ((استقبال)) مضافاً إليه، وفَصلَ بينهما بـ((الحاج)) المفعول كما مرَّ، لكنْ قال شيخ الإسلام: الجرَّ بالعطف على ((استقبال)) ففيه تكلُّفٌ. انتهى فتأمله.
          وفي ((اليونينية)): <والثلاثة> بالنصب عطفاً على مفعول ((استقبال))المذكور أو المحذوف، أو مفعولاً معه.
          و((على الدَّابةِ)) متعلقٌ بمحذوفٍ، حالٌ من الثلاثة، أو متعلِّقٌ باستقبال، ولا يقدَّرُ حينئذٍ((استقبال)) كما قدَّره العيني في قول الكرماني عطفاً على الاستقبال، بل المعنى: باب الثلاثة على الدابة؛ أي: جوازُ ركوبِهم عليها، ويجوز رفعُ الثَّلاثة على الابتداء، وخبرهُ ((على الدَّابة)) والجملةُ حالٌ فتأمَّل.
          هذا تحريرُ المقام بزيادةٍ على ما ذكره الشُّرَّاح الأعلام، فتأمَّله.