الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب العمرة ليلة الحصبة وغيرها

          ░5▒ (باب الْعُمْرَةِ): أي: جوازها (لَيْلَةَ الْحَصْبَةِ وَغَيْرِهَا) بنصبها للأكثر عطفاً على ((ليلة)) وبالجر لأبي ذرٍّ عطف على ((الحَصْبة)) وهي كما تقدم _بفتح الحاء وسكون الصاد المهملتين وقد تفتح الصاد_ الحجارة، وليلة الحصبة هي ليلةُ المبيت بالمحصَّب بعد النَّفر من منًى، ولعل تقديرنا الجواز أولى من تقديرِ العيني ومن تبعهُ المشروعية، فإنَّ الظَّاهرَ أنَّ البخاري قصد الرَّدَّ على من عابَ ذلك.
          قال ابن بطَّال: فقهُ الباب أنَّ الحاجَّ يجوزُ له أنْ يعتمرَ إذا تمَّ حَجُّه بعد انقضاءِ أيام التَّشريق، وقد اختلفَ السَّلفُ في العمرة بعد أيَّام الحجِّ، / فذكر عبد الرزاق بإسنادهِ عن مجاهدٍ قال: سُئِل عمرُ وعليٌّ وعائشة عن العمرة ليلة الحصبةِ فقال عمرُ: هي خيرٌ من لا شيء.
          وقال عليٌّ: هي خيرٌ من مثقال ذرَّةٍ، وقالت عائشة: العمرةُ على قدر النَّفقةِ، وعن عائشة أيضاً قالت: لئن أصوم ثلاثة أيَّامٍ أو أتصدَّقَ على عشرةِ مساكين أحبُّ إليَّ من أن أعتمرَ العمرةَ التي اعتمرت من التَّنعيم.
          وقال طاوس فيمن اعتمر بعد الحجِّ: لا أدري أتعذَّبونَ عليها أم تؤجرُون.
          وقال عطاء بنُ السَّائب: اعتمرنا بعد الحجِّ، فعاب ذلك علينا سعيدُ بن جبير، وأجازَ ذلك آخرون. انتهى فتأمَّله.
          واعلم أنَّ جميعَ السَّنَةِ وقتٌ للعمرة ليلاً أو نهاراً إلا الحاج فيمتنع إحرامُهُ بها قبل نفره إذا بقيَ عليه رميٌ؛ لاشتغاله به وبالمبيت، فهو عاجزٌ عن التَّشاغل بعملها، وأما بعد نفره فيجوز؛ لأنَّه بالنفر خرج من الحجِّ وصار كما لو مضى وقت الرمي، نقلهُ أبو الطيب عن نصِّ ((الأم)).
          وقال في ((المجموع)): لا خلافَ فيه، وتقدم حكمُ ما لو كرَّرَ العمرة في السَّنةِ أو غيرها.